مرة أخرى ينجح الغش في التسلل إلى مباراة ولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين، بعدما تمكن مترشحون لدورة يناير 2025، التي تهم أساسا مسلك تأهيل أساتذة التعليم الابتدائي، اليوم السبت، من تداول صور ورسائل تتضمن أسئلة وإجابات الاختبارات فيما بينهم داخل الفضاء الرقمي، وفقا لما عاينته هسبريس؛ وهو الأمر الذي أكد بالنسبة لمراقبين “ضرورة إعادة النظر في آليات المراقبة والتقييم وتشديدها أكثر”.
وفي مجموعة على تطبيق التواصل الفوري “واتساب”، ضمت أزيد من 470 مترشحا، انهمك معنيون في إرسال صور تظهر أسئلة اختبارات مواد العلوم والرياضيات واللغة العربية واللغة الفرنسية الخاصة بمسلك أساتذة التعليم الابتدائي- التخصص المزدوج، بعضها يتبين أن هؤلاء التقطوها من قاعات الامتحانات. فيما تكفل آخرون بإرسال صور ورسائل مكتوبة تظهر إجابات هذه الاختبارات على المجموعة عينها.
ولأن هذه الممارسات “المخلة بمبدأ تكافؤ الفرص والمهددة لنزاهة هذه الامتحانات”، كانت ذاتها خيمت على الدورة السابقة من مباراة ولوج مهنة التدريس، “رغم التشدد من قبل مراكز الامتحانات في توفير الشروط اللازمة لإبعاد هذه الاستحقاقات عن الغش”، فقد أكد خبراء وباحثون في السياسات التربوية أهمية “تطوير إجراءات المراقبة لترقى إلى ما وصلت إليه طرق الاحتيال والغش من تطور، مع إعمال الصرامة خلال تكوين “أساتذة الغد” لفلترة الأكفاء منهم من غيرهم”.
مراجعة الآليات
الحسين زاهدي، خبير في السياسات التربوية العامة أستاذ التعليم العالي، أشار إلى “توفر مجموعة من الشروط لضمان النزاهة في مباراة اليوم؛ حيث إن القاعات التي أجريت بها هذه المباراة صغيرة وبها أعداد محدودة من المترشحين يراقبهم ثلاثة مراقبين في كل قاعة”، غير مستبعد أن “يكون من غادروا القاعات مبكرا خلال الفترة الصباحية هم من نشروا أسئلة الامتحانات”.
وأوضح زاهدي، في تصريح لهسبريس، أن “ما جرى من غش يُسائل مدى فعالية إجراءات وآليات المراقبة والتقييم التي تتبعها مختلف القطاعات الحكومية وليست وزارة التربية لوحدها، في مواكبة التطور الحاصل في طرق وكيفيات الغش”، مُبرزا أنه “رغم تشديدها هذه الإجراءات والآليات تجد الجهات المنظمة لمباريات الوظيفة العمومية نفسها عاجزة عن محاصرة الشل”.
وأكد الخبير في السياسات التربوية العامة أن “مثل الممارسات المذكورة تهدد نزاهة الامتحانات وتقوض الرغبة في تجويد خدمات المدرسة العمومية المغربية، حيث تسمح بتسلل أشخاص لا كفاءة لهم ولا مؤهلات إلى مهنة التدريس، مع سطوهم بذلك على حق مترشحين استعدوا بطريقة كافية للمباراة؛ ما يعني الضرب في مبدأ تكافؤ الفرص، الذي نص عليه الدستور المغربي”.
وشدد زاهدي على أن “السرعة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي اليوم تتطلب التحرك لابتكار آليات مراقبة وتقييم للمباريات قبل أن يُصبح المغرب عاجزا عن تنظيم مباريات بالنزاهة المطلوبة”، مُصرا على أن “إثبات الممارسات المذكورة أن إجراءات المراقبة المعمول بها حاليا لا تفي بالغرض يتطلب من الخبراء والمختصين خصوصا بالوزارة المكلفة بالانتقال الرقمي مد القطاعات الحكومية بالحلول الرقمية الواجب تفعيلها لمحاصرة هذه الممارسة”.
مراقبة مستمرة
أشار عبد الناصر الناجي، رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التعليم، إلى أن “دورة يناير 2025 من مباراة التعليم أعلن عنها نظرا لأن الدورة السابقة لم تتمكن من عزل العدد الكافي من المترشحين المؤهلين لولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين”، مُعتبرا أن “الإرادة الحقيقية لضمان ولوج الأكفاء والمؤهلين لأسلاك التعليم تقتضي تشديد المراقبة من خلال اعتماد آليات تقنية متطورة”.
وأوضح الناجي، في تصريح لهسبريس، أن تحقيق هذا الهدف “يفرض كذلك تشديد المراقبة وأدوات تقييم المترشحين الذين يجتازون المباريات بنجاح، خلال عملية تكوينهم بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين، من أجل فرز المؤهلين والكفاءات منهم من غير ذلك”، شارحا أنه “في حال أُعملت الصرامة المطلوبة بهذه المراكز، فسوف لن يكون من اجتازوا المباراة بواسطة أساليب غش قادرين على التخرج من هذه المراكز”.
وفي هذا الصدد، شدد رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التعليم على “ضرورة أن يتضمن امتحان التخرج من هذه المراكز كل المقومات الكافية لجعله قادرا على قياس مدى قدرة الطالب على ممارسة مهنة التدريس”، مُعتبرا أنه “إذا كانت الوزارة بالفعل تسعى وراء تحقيق جودة التكوين، فيجب أن تزاوج بين الصرامة في مباراة ولوج المراكز وخلال فترة التكوين بها”.
وأورد الفاعل التربوي أن “النجاح في انتقاء أجود الكفاءات لقطاع التربية يتطلب أن يتم تغليب منطق الجودة على منطق الكم، حيث يتم قبول عدم التمكن من توظيف كافة العدد المعلن عنه في المباراة، إذا كان ذلك راجعا إلى أن الكثيرين غير مؤهلين لولوج المهنة أو ثبت في حقهم ممارسات غش تثبت غياب الكفاءة لديهم”.