تشكّل آثار التغير المناخي في الجزائر أحد التحديات التي تعمل الحكومة جاهدة على مواجهتها من خلال تطوير إستراتيجيات متكاملة، والالتزام بالإسهام في جهود المجتمع الدولي لمكافحة التغير المناخي.
وانضمت الجزائر إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي في عام 1993، ثم إلى وثيقة كيوتو في عام 2004، وأخيرًا إلى اتفاق باريس في عام 2016.
وتعبيرًا عن الالتزام بمواجهة آثار التغير المناخي في الجزائر، أنشأت البلاد مديرية التغير المناخي التابعة لوزارة البيئة في عام 2016، والوكالة الوطنية للتغيرات المناخية التي تأسست في عام 2005.
وفي سبتمبر/أيلول 2015، قدّمت الجزائر مساهمتها المحددة وطنيًا، التي تشمل هدفًا طموحًا للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، إذ تسعى لتحقيق تخفيض طوعي بنسبة 7% باستعمال إمكاناتها الخاصة، كما وضعت هدفًا إضافيًا يتطلب دعم المجتمع الدولي، يتمثل في خفض إضافي بنسبة 15%.
وفيما يتعلق بالتكيف، أكدت الجزائر في مساهمتها الوطنية أهمية وضع خطة وطنية شاملة للتكيف مع آثار التغير المناخي.
الحوكمة المناخية في الجزائر
وعلى المستوى المؤسسي، تُعدّ وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج الهيئة المحورية في الجزائر فيما يتعلق بقضايا التغير المناخي.
وتتولى الوزارة العديد من المهام المهمة، أبرزها تمثيل الجزائر في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وتنسيق المفاوضات خلال مؤتمرات الأطراف.
كما تشرف الوزارة على البرامج المتعلقة بالتعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع منظمات دولية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومرفق البيئة العالمي، والاتحاد الأوروبي، والتعاون الألماني.
وتمثّل هذه الترتيبات المؤسسية ركيزة أساسية لضمان استدامة العمل المناخي في الجزائر، وتحقيق الالتزامات الوطنية والدولية التي تعهدت بها.
وشهد مسار الحوكمة المناخية في الجزائر تطورًا ملحوظًا عبر سلسلة من المشروعات والمبادرات المهمة، ففي المدة من 1996 إلى 2002، نُفِّذَ مشروع التعاون الإقليمي لمكافحة تغير المناخ في المنطقة المغاربية برعاية صندوق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وشكّل المشروع خطوة مهمة نحو تعزيز القدرات بمواجهة التغير المناخي في الجزائر، إذ مهّد الطريق لإنشاء "اللجنة الوطنية لتغير المناخ" في عام 1999 تحت إشراف وزارة التهيئة الإقليمية والبيئة.
ومن بين الإنجازات المهمة لهذا المشروع، نُفِّذَت أول دراسة حول تأثيرات تغير المناخ في القطاعين الزراعي والمائي.
واليوم، تواصل اللجنة الوطنية للمناخ دورها المحوري، إذ تقود وتنسّق جميع الإجراءات المتعلقة بالتغير المناخي في الجزائر، وتشمل هذه الإجراءات إعداد "الخطة الوطنية للمناخ"، وتقارير "التقييم الوطني الأول"، وتقديم التزامات "الاتصال الوطني المستمر".
كما خُطِّطَ لإطلاق نظام "القياس، والتقرير، والتحقق"، الذي يعتمد على كل العناصر المتاحة لتنفيذ المساهمة المحددة وطنيًا.
وفي عام 2018، أطلقت الحكومة مشروع تعاون ثنائي مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي لتعزيز الحوكمة المناخية ودعم تحقيق أهداف المساهمة الوطنية المحددة.
وتأسست اللجنة الوطنية للمناخ في عام 2015، وضمّت ممثلين عن 18 قطاعًا ووزارة لدعم تنفيذ أهداف المساهمة الوطنية، وفي سبتمبر/أيلول 2019، كان تبنّي الخطة الوطنية للمناخ، التي تمتد حتى عام 2030، بعد التنسيق مع الجهات المؤسسية والاجتماعية والاقتصادية.
وتحتوي الخطة على 155 إجراءً موزعة على 3 محاور رئيسة:
- - التكيف مع التغير المناخي.
- - تخفيف الانبعاثات.
- - التكيف المؤسسي والتنظيمي.
وتهدف الخطة إلى حماية الموارد الطبيعية والبنية التحتية، وتحقيق مرونة الاقتصاد الوطني، والإسهام في الجهود العالمية للتصدي لتغير المناخ.
كما أطلقت اللجنة الوطنية للمناخ في عام 2018 مشروع "الخطة الوطنية للتكيف"، بدعم من صندوق المناخ الأخضر، وتشمل هذه الخطة جميع الأطراف الفاعلة من مؤسسات حكومية، ومجتمع مدني، وقطاع خاص، وتهدف إلى تعزيز مرونة البلاد في مواجهة آثار التغير المناخي، مع التركيز على استدامة البيئة والعدالة الاجتماعية وتنمية المجتمعات.
التغير المناخي
في إطار برنامج عمل الحكومة للمدة 2020-2024، ضُمِّنَت مجموعة من التدابير تحت عنوان الانتقال الطاقي، التي تهدف إلى تعزيز الاستعمال المستدام للطاقة بما يخفّف من تداعيات التغير المناخي.
وتشمل هذه الأهداف تطوير الطاقات المتجددة، وتعزيز كفاءة استعمال الطاقة، وتقليل الاعتماد التدريجي على المحروقات من خلال الاستفادة من الطاقة الخضراء والمستدامة التي توفرها مصادر الطاقة المتجددة.
ومنذ عام 2010، أطلقت الجزائر العديد من المشروعات البيئية والمناخية الكبرى على مختلف الأصعدة المؤسسية والتقنية والسياسية، في محاولة للتصدي للتحديات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة، ومن أبرز هذه المشروعات:
- في 2010، اعتُمِد المخطط الوطني لتهيئة الإقليم حتى عام 2030، بهدف تحقيق تخطيط مستدام ومتوازن يحترم البيئة ويحافظ على الموارد الطبيعية.
- في 2015، حُدِّثَت الخطة الوطنية لمكافحة التلوث البحري في إطار اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط.
- في 2016، صيغَت إستراتيجية الغابات لمكافحة التصحر وإدارة الأحواض المائية بشكل مستدام، بالإضافة إلى اعتماد الخطة الوطنية للأكوابحار لتطوير مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية.
- في 2017، اعتُمِدَت الاستراتيجية الوطنية وخطط العمل للتنوع البيولوجي حتى عام 2030.
- في 2018، طُوِّرَت خطة العمل الوطنية للاستهلاك والإنتاج المستدامين لدعم أهداف التنمية المستدامة 2030.
- في 2019، نُفِّذَت المرحلة الأخيرة من الخطة الوطنية للتشجير بجزء من خطة التنمية الزراعية والريفية لمكافحة التصحر.
- في 2020 أُطلِق مشروع إعادة تأهيل السد الأخضر إلى غاية 2030.
- في 2021، اعتُمِدَت الإستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأزرق حتى عام 2030، بهدف إدارة الموارد البحرية بشكل مستدام.
- في 2021، وُسِّعَت صلاحيات المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي ليشمل الجوانب البيئية، ليصبح جهة فاعلة في السياسات البيئية وواجهة للمجتمع المدني والمنظمات المهنية.
تُظهر الجزائر من خلال هذه المشروعات والجهود المتواصلة التزامها الجادّ بحماية البيئة والتكيف مع التغير المناخي.
وتؤكد التوجهات الحكومية أنها ماضية قُدمًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تعزيز التنسيق المؤسسي، وتطوير إستراتيجيات فعّالة للحدّ من التلوث والتكيف مع آثار التغير المناخي، إذ تسهم هذه الجهود بشكل كبير في ضمان بيئة صحّية ومستدامة للأجيال القادمة.
* د.منال سخري - أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..