ملك الكوميديا| «الكل خانوه».. تعرف على آخر أمنية لـ« عبد الفتاح القصري» قبل وفاته

منذ الميلاد حتى الممات ظلت حياة عبد الفتاح القصري تتأرجح ما بين الصعود والهبوط ما بين النوم علي الحرير إلى الحبس في غرفة صغيرة في حي الجمالية، بعد أن خانه كل من وثق فيهم، كل من وقف بجانبهم، الفتى الصغير الذي تبناه والممرضة التي تزوجها، زملاء المهنة، الكل تركوه سجين غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 3 أمتار فقط.

تنطبق على القصري الذي رحل في الثامن من مارس عام 1964، مقولة، «ارحموا عزيز قوم ذل»، ابن تاجر المجوهرات، خريج مدرسة القديس يوسف «الفرير» الفرنسية، ابن الذوات، أحد أضلاع الهرم الأكبر من ملوك الكوميديا، هو المعلم حنفي شيخ الصيادين في «ابن حميدو»، عبد المجيد ساطور في فيلم «سي عمر»، وأبو طعمة في «إسماعيل يس في مستشفي المجانين»، والمعلم شاهين زلط في «سكر هانم»، وإبرهيم نفخو في «لعبة الست»، والمعلم السطا في مسرحية «منافق لللإيجار»، والمعلم بطيخ في «سلم علي الحبايب».

ما زال التاريخ به الكثير لكي يحكي عن أحد رواد الكوميديا في الوطن العربي، الذي بدأ حياته على مسرح عبد الرحمن رشدي، ولم يستمر طويلا، وسرعان ما قامت الضرائب بالحجز على المسرح وإعلان أفلاس الفرقة، ليجد نفسه في الشارع، بعدها ذهب القصري إلى جورج أبيض يطلب منه العمل معه في المسرح، وبالفعل وافق على الفور وأعطاه دور في مسرحية تراجيدية، ولكن مع ظهور عبد الفتاح القصري وبداية الكلام يضحك الجمهور، ليتكرر الموقف ثلاث مرات ليضطر في النهاية أن يطرده من الفرقة.

ومن المواقف التي لم تنسى من تاريخ راسم البسمة على شفاه الملايين، عندما أسند إليه دورًا في فرقة جورج أبيض وكان يتطلب منه البكاء، فلم يستطع، وبعد تكرار وإلحاح صفعة جورج أبيض على وجهه، وقتها لم يتمالك نفسه عبد الفتاح القصري وبكى.

تعلق عبد الفتاح القصري بالكوميديان نجيب الريحاني، وألحقه بالفرقة وأسند إليه دور تاجر سمك جاهل في مسرحية «الجنيه المصري»، وفي أحدي المشاهد يأتي التاجر للمدرسة مطالبا بفصل مدرس الجغرافيا عندما قال لابنه "إن الأرض كروية"، وتألق القصري في تجسيد الدور وحقق نجاحًا باهرًا، حتى أن نجيب الريحاني وبديع خيري كانوا يقومون بكتابة أدوار مخصصة له، وبعد وفاة الريحاني في عام 1949، ترك الفرقة والتحق بفرقة إسماعيل يس في عام 1954 براتب شهري 100 جنيه، ليكون أحد أعضائها الجدد بجانب زينات صدقي، ومحمود المليجي، واستيفان روستي، وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخه الفني.

«108» ما بين أفلام سينمائية ومسرحيات ومسلسلين إذاعين.. كان أول ظهور له في السينما في عام 1935 في فيلم «المعلم بحبح»، وجسد فيه شخصية «الحشاش»، أحد أبناء الحي الشعبي الذي يديره المعلم بحبح، أمام الممثل فوزي الجزايرلي، والمخرج شكري ماضي، لينطلق بعدها ويشارك في 63 فيلم أغلبهم مع إسماعيل يس وزينات صدقي، فيلم «حماتي قنبلة ذرية»، «الصبر جميل»، «ابن الحلال»، فايق ورايق»، «كوارع شباك حبيبي»، «حماتك تحبك»، «معلش يا زهر»، «ليلة الدخلة»، «الأنسة حنفي»، «لعبة الست»، «مجد ودموع»، «السوق السوداء»، «ليلة الجمعة»، وأخر أفلامه الذي شارك فيها «سكر هانم» عام 1962، وغيرها من الأفلام التي شارك فيها عبد الفتاح القصري.

ومن بين المواقف عندما عرض عليه المخرج أحمد بدرخان دور في فيلم «مصطفى كامل»، لتجسيد شخصية «علي باشا مبارك» لينفجر عبد الفتاح القصري في الضحك، متذكرًا ماحدث له عندما صفعه جورج أبيض، قائلا: شوف يا أستاذ من غير كلام كتير، ومن غير لف ودوران أنا لا أنفع في هذا الدور مطلقًا، أنا أصلح في دور ولاد البلد صاحب قهوة معلم جزارة حانوتي بعيد عنك لكن شخصية باشا، أخويا وحبيبي زكي رستم يعمل إيه، وحاول بدر خان إقناع القصري لوجود شبه بينه وبين علي مبارك باشا لكنه أصر على رأيه ورفض تجسيد الشخصية.

استغل القصري «الحول» في عنيه كما استغل إسماعيل يس «بوقه» وكان دائم السخرية من جسمه المكعبر وعنيه «اللي مخاصمة بعضها»، وتروي مجلة الكواكب موقف طريف حدث بين القصري والمطرب عبد الغني السيد في كواليس فيلم «شيء من لا شيء» عام 1938، وكان من المفترض أن يؤدي الاثنان مشهد يجمعهما، وما أن بدأ التصوير وانتابت عبد الغني نوبات ضحك هسيترية عندما نظر في عين القصري، واستمرت محاولات المخرج أحمد بدر خان للتصوير دون فائدة.

ويحكي عبد الفتاح القصري أحد المواقف كما جاء في جريدة «الأهرام»، قائلًا: «تعرضت لكثير من المتاعب بسبب قصر قامتي، وكان قصري سببًا في هروب عروستي الأولى التي تقدمت لها وأنا في الـ 16 من عمري».

كما شارك القصري في البرنامج الإذاعي «ساعة لقلبك»، في الحلقة الخاصة المسماه «ذهب مع الريح» تقديم حسن فايق، وتأليف حسن بوكسر، وجمال إسماعيل، وحسين فياض، وتقمص فيها شخصية منتج سينمائي لديه معلم.

كانت نهاية القصري عندما كان يؤدي دور في إحدى المسرحيات مع إسماعيل يس أصيب بالعمى، ومن ساعتها وتحولت حياته إلى جحيم، حيث كان يشكو جحود أقرب أصدقائه له إسماعيل يس، ومحمود شكوكو، لأنهما لم يزوراه طوال فترة مرضه.

قبل وفاته قامت ماري منيب ونجوي سالم بزيارته، وطلب منهما تحقيق أمنية واحدة له، وهي مشاهدة مسرحية، وبالفعل ذهب لحضور مسرحية «زيارة غرامية»، وعندما شاهد الجمهور عبد الفتاح القصري ظل يردد عبارته الشهيرة في فيلم «ابن حميدو»: أنا كلمتي مش ممكن تنزل الأرض أبدًا.