أخبار عاجلة

د. محمد فؤاد يكتب: "الفريضة الغائبة" في حديث وزير المالية عن الديون المصرية

د. محمد فؤاد يكتب: "الفريضة الغائبة" في حديث وزير المالية عن الديون المصرية
د. محمد فؤاد يكتب: "الفريضة الغائبة" في حديث وزير المالية عن الديون المصرية

هل تذكرون حديثي عن مقترح رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، خلال لقاء رئيس الوزراء مع المستثمرين، عندما طالب بتشكيل لجنة لدراسة أثر رفع الفائدة على التشغيل؟.. فرغم أنها من أبجديات إدارة الاقتصاد في أي دولة، وغير متصور تحت أي ظرف عدم وجودها أو أن تكون الدولة في مرحلة المطالبة بها، إلا أن حديثه وقتها طرح تساؤلات حول غياب مثل هذه البديهيات عن دائرة الاهتمام.

ويبدو أن غياب البديهيات يمتد إلى منظومة السياسات الاقتصادية بشكل أوسع ولا يقتصر على هذه المسألة وحدها، خاصة مع تأمل مضمون حديث د. أحمد كجوك، وزير المالية خلال حواره مع الإعلامية الكبيرة لميس الحديدي منذ أيام قليلة، والذي يطرح بدوره مزيد من التساؤلات الجوهرية حول إدارة الملف الاقتصادي برمته.

ومع أن الوزير -الذي يحيطه طموحات مرتفعة من أداؤه بحكم خبرته وجهوده قبل تولي المسؤولية-، قد تحدث بشكل مميز وفني للغاية عن المالية العامة وخطط تحسين مناخ الاستثمار ودعم مجتمع الأعمال وإطلاق المبادرات لدعم المواطن وغيره، إلا أن ما طرحه عن ملف الدين تحديدا هو ما لفت انتباهي بشدة عن فكرة "التكامل الاقتصادي" و"وحدة الموازنة" والفريضة الغائبة التي تحدثت عنها كثيرة وهي "الهوية الاقتصادية".

فعندما تناول الوزير في حديثه مستوى المسئولية الاقتصادية المباشرة، فقد استخدام تعبيرات مثل "الجزء اللي يخص وزارة المالية" أو "مديونية أجهزة الموازنة"، وأيضا جاءت جميع المؤشرات والأرقام التي تحدث من خلالها كأرقام منفردة لا تتعامل مع مجمل الدين السيادي للدولة.

من ذلك أيضا، حينما سألته "الحديدي" عن الدين الخارجي، فأجاب بأن الحكومة كانت مدانة بـ ٨٠ مليار دولار وأنه قد انخفض هذا الرقم إلى ٧٨ مليارا، ورغم أن ذلك يعد نجاحا لا خلاف عليه إلا أن الإشكالية تكمن فيما يتعلق بالمسؤولية عن باقي الدين الذي يصل إلى ما يزيد عن ١٥٣ مليار دولار.

أيضا عندنا تناول الحوار تساؤلا عن المطلوب سداده خلال ٢٠٢٥، فرد بأنه كـ"حكومة" عليه التزامات خلال العام الجديد بحوالي ١٦.٥ مليار دولار، فتعجبت "الحديدي" بأن البنك المركزي يتحدث عن وجود استحقاقات لسداد ديون تصل إلى ٢٢ مليارا، فرد الوزير نصا: "جايز الباقي على جهات أخرى".

وعليه، فقد بدا واضحا أن حديث الوزير في هذا الشق قد حصر دور "المالية" في مسألة الديون على الدين الحكومي فقط "الجهات التابعة لموازنة الحكومة" دون باقي التزامات الدولة سواء دين البنك المركزي أو بعض الجهات الأخرى وخاصة الهيئات الاقتصادية، في إشارة إلى أن دوره يقتصر فقط على إدارة الدين الحكومي دون باقي مكونات الدين التي تصل قيمتها إلى ما يساوي ديون "المالية" ذاتها، وهو ما يعني أن المالية لا تٌعنى إلا بحوالي ٥٢٪؜ من الدين الكامل للدولة، رغم أنها في النهاية هي من تضمن سداد ديون باقي الجهات.

يفرض ذلك تساؤلا ملحا: مَنْ يتحمل المسؤولية الكاملة عن إدارة الدين السيادي للدولة؟ وكيف يتم التنسيق بين الجهات المعنية بالمديونية لتحقيق رؤية شاملة للتعامل مع ملف الديون في إطاره العام؟.. فوفقًا لحديث الوزير، يبدو أن البنك المركزي يركز على إدارة السيولة الدولارية، بينما تلتزم وزارة المالية بإدارة الدين الحكومي فقط، وهنا تكمن الإشكالية؛ خاصة وأنه عند التساؤل عن إجمالي الالتزامات السيادية وخطط معالجتها، يبقى السؤال معلَقًا: إلى من نتوجه بالأسئلة؟ ويزداد الأمر تعقيد بالاعتبار إلى أن الهيئات الاقتصادية تستحوذ على 82%؜ من الديون المضمونة من وزارة المالية.

تلك الوزارة التي يقول بيانها المالي نصا: "إن التسهيلات والديون المضمونة من الخزانة العامة، هي من أهم مصادر المخاطر التي تتعرض لها المالية العامة، ويُلاحظ تزايدها من سنة لأخرى، في ظل تزايد عدد الضمانات المصدر وقيمتها، وتركزها في عدد محدد من الجهات"، وهو مما يشير إلى اضطرار وزارة المالية لخدمة القروض نيابة عن الجهات المقترضة في المستقبل.

وهذا التصور يُذكر بالسجال الذي دار بين النائب عبد المنعم أمام ووزير المالية آنذاك الدكتور محمد معيط، حين نفى الوزير تعدي المالية لحدود السحب على المكشوف من البنك المركزي، رغم أن هذا الرصيد كان يقترب من تريليون و٦٠٠ مليار جنيه وقتها، وبافتراض صحة ما ساقه الوزير، وطبقا لقانون البنك المركزي، فإن ما سحبته المالية لم يكن ليتعدى الـ ٣٠٠ مليار جنيه، وهو ما يشير إلى وجود نحو التريليون و٣٠٠ مليار اقتراض لصالح جهات أخرى بما يضغط بشدة على التضخم ويؤثر سلبا على المواطن ومعيشته.

وعلى المستوى الدولي هناك شبه اتفاق بأن المسؤولية عن إدارة المالية العامة الدين السيادي تقع على عاتق وزارة المالية أو الجهة الحكومية المكلفة بإدارة الشؤون المالية للدولة، وعادةً ما تعمل هذه الجهة بالتنسيق مع البنك المركزي لضمان التوازن بين احتياجات التمويل الحكومي واستقرار الاقتصاد الكلي.

مثلا في الولايات المتحدة، تتولى وزارة الخزانة الأمريكية إدارة الدين السيادي، أما في بريطانيا فتتولى مكتب إدارة الدين (Debt Management Office) التابع لوزارة الخزانة الإشراف على إصدار السندات وإدارة الديون، مع آليات للتنسيق بين أدوار البنك المركزي والمالية لتحقيق رؤية مشتركة لضمان تحقيق أهداف الدولة الاقتصادية، مع وضع استراتيجيات تقلل من مخاطر الدين وتحقق استدامة اقتصادية على المدى الطويل.

وفي تقديري فإن مسؤولية هذا التنسيق في حالتنا، تقع على عاتق وزارة التخطيط في شأن تحديد الرؤى والسياسات العامة وإلزام كل جهة بتحقيق المستهدف منها ومتابعة أدائها، بدلا من فكرة الأدوار الاجتهادية التي تتصدر المشهد وتتطلب نوعا من المصادفة لا تحدث في أحيان كثيرة، بما يصيب المالية العامة بحالة من التشرذم بتجاهل تلك البديهيات المستقرة.

وتتعزز هذه الحالة في ظل غياب وحدة الموازنة العامة، بما جعل دور وزارة المالية أشبه بمدير الحسابات منه للـ CFO أو المدير المالي التنفيذي في الشركات المسئول عن مجمل إيرادها ومصروفها، وللأسف رغم المطالبة كثيرا بفكرة دراسة استدامة الدين وإقرار لجنة الخطة بمجلس النواب في يناير ٢٠١٧ لتعديل تشريعي تقدمت به في شأنها، إلا أن هذه الآلية يبدو أنها ليست في دائرة الاهتمام.

أعلم أن حديث الوزير بالتفرقة بين ما هو مستحق على الحكومة أو البنك المركزي أو البنوك أو الهيئات، يبدو صحيحا من الناحية الفنية لكنه قاصر اقتصاديا ويبعد وزارة المالية تماما عن الاقتصاد الكلي، وهي ليست مشكلة متعلقة بشخصه أو وزارته بوضعها الحالي، لكنها أعمق منذ ذلك بكثير وتمس كبد المشكلة التي تستلزم رؤية عامة تجاه إدارة شاملة للاقتصاد ومكوناته وعلى رأسها استدامة الدين السيادي التي تتطلب بلا شك توحيد الموازنة العامة، وتعزيز الرقابة على القروض ومجالات صرفها ويخلق نوعا من الحوكمة المطلوبة لهذا الملف الحساس.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل.. لبنان يعلن ترحيل عبد الرحمن القرضاوى إلى الإمارات
التالى توقيت شهر طوبة 2025 في التقويم القبطي