الثلاثاء 07 يناير 2025 | 04:25 مساءً
مع تصاعد الأحداث في الشمال السوري، شهدت الساحة تطورات جديدة تشير إلى تنامي حركات المقاومة ضد زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، أبو محمد الجولاني.
تُطرح اليوم تساؤلات حيوية حول قدرة هذه المقاومة على الإطاحة بالجولاني، الذي أثبت على مدى سنوات أنه لاعب بارز في المشهد السوري، مستفيدًا من دعم خارجي وتكتيكات مرنة مكنته من الحفاظ على قبضته في إدلب والمناطق المحيطة بها.
لكن في ظل التحولات الأخيرة، بما فيها التوترات بين الفصائل المسلحة وانهيار تحالفات داخلية، إلى جانب رفض شريحة من السوريين هيمنته وسياسته، يبدو أن الجولاني يواجه تحديًا غير مسبوق. فهل يمكن لهذه المقاومة أن تُعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري في سوريا؟ وهل نحن على أعتاب تغيّر جوهري في توازن القوى شمال البلاد؟
وفي هذا السياق، يقدم أسامة حمدي، باحث في الشؤون الإيرانية وقضايا الشرق الأوسط، تحليلاً لهذه الأحداث لموقع "بلدنا اليوم".
تحليل أسامة حمدي:
أشار الدكتور حمدي في بداية تحليله إلى أن ما يُعرف بـ"المقاومة السورية" يشكل مجموعة منظمة ترتكز أساسًا في مناطق الساحل السوري والمدن التي تُعد معاقل للطائفة العلوية، مثل دمشق.
وأكد أن هذه المجموعة تتكون من حوالي 130 ألف شاب علوي تم تدريبهم من قبل الحرس الثوري الإيراني، وخصوصًا على يد فيلق القدس بقيادة قاسم سليماني سابقًا، بهدف بناء قوة مستقلة تتماشى مع استراتيجية إيران في المنطقة.
كما شدد حمدي على أن رفض الجيش السوري النظامي دمج هذه المجموعة ضمن صفوفه، يشابه تجربة الحشد الشعبي في العراق، ما أدى إلى بروزها كقوة منفصلة تعمل وفق أجندة إيرانية. ومع الهجوم الأخير لهيئة تحرير الشام على الجيش السوري، لفت إلى أن هذا التنظيم لم يقدم دعمه للجيش، خصوصًا أن انهيار الجيش جاء سريعًا ومصحوبًا بانهيار نفسي وإعلامي.
وأضاف الدكتور حمدي أن تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم المرشد الأعلى، أكدت دعم إيران لهذه المجموعة، مشيرين إلى أنها تمثل "الشباب السوري الشريف" الذي سيواجه النفوذ الإسرائيلي والأمريكي المتزايد في سوريا.
وأوضح أن إيران تعتبر وجود هذا التنظيم ضرورة لاستعادة نفوذها بعد خسائرها الاستراتيجية في سوريا، والتي شملت فقدان حليفها بشار الأسد وانهيار ما يُعرف بـ"الهلال الشيعي".
بينما شدد على أن تحريك إيران لهذه القوة المسلحة سيؤدي إلى تصعيد خطير قد يفضي إلى صراعات دموية واسعة. كما لفت إلى أن احتمالية اشتعال مواجهات مباشرة مع هيئة تحرير الشام قد تدفع بسوريا إلى سيناريو تقسيم حقيقي، مما يعزز الفوضى الطائفية ويشبه الوضع الليبي.
وقال إن روسيا بدورها لن تتخلى عن مصالحها في سوريا، خصوصًا قواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم، حيث تضمن لها هذه القواعد نفوذًا في البحر المتوسط يقارع الولايات المتحدة. وأشار إلى أن دعم روسيا للعلويين قد يكون وسيلة لتعزيز وجودها في حال تطورت الأحداث نحو التقسيم.
ولفت حمدي إلى أن الإدارة السورية الجديدة بقيادة "الشرع" أمامها خيارات محدودة لتجنب الانهيار. وشدد على أهمية احتواء جميع الأطراف، بما في ذلك الطائفة العلوية، عبر تحقيق إصلاحات اقتصادية ومنح امتيازات سياسية تضمن استقرار البلاد وتجنب الاقتتال الداخلي. وختم الدكتور حمدي بالتأكيد على أن أي صراع طويل الأمد لن يكون فيه رابح، وسيؤدي فقط إلى مزيد من التقسيم والفوضى.
تحليل محمد عبادي:
وأوضح أيضًا في هذا السياق، محمد عبادي، الباحث في العلاقات الدولية، الذي أشار إلى أن جنود النظام السوري السابقين، وخاصة من ينتمون إلى الطائفة العلوية، يدافعون عن وجودهم في المرحلة الحالية مدفوعين بخوفهم من الحساب المرتقب على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في عهد النظام السابق، بما في ذلك التعذيب في سجون مثل صيدنايا.
وأضاف أن هؤلاء الأفراد يدركون أن الحكومة السورية الجديدة قد تتعامل معهم بحذر أو قد تسعى لتجنب محاكمتهم، مما دفعهم إلى تشكيل تحالفات جديدة لضمان بقائهم في المشهد السياسي والعسكري.
وأكد عبادي أن هناك تحريضًا واضحًا من إيران لدعم هذه المجموعات، مشيرًا إلى تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي ووزير الخارجية الإيراني، بالإضافة إلى تصريحات محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري والمستشار الحالي للمرشد.
وشدد عبادي على أن هذا التحريض يستهدف بشكل أساسي الطائفة العلوية، التي كانت العمود الفقري للنظام السابق ومثّلت حوالي 70% من الجيش السوري في عهد بشار الأسد.
لفت عبادي إلى أن التحركات الأخيرة للمقاومة العلوية تعكس محاولة لاستباق الهجوم عليهم، حيث يسعون لإيصال رسالة للحكومة الجديدة بأنهم قادرون على إشعال الفوضى إذا تم استبعادهم من المشهد السياسي.
وأضاف أن إيران تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه هذه المقاومة، ليس فقط لدعم العلويين كطائفة، ولكن أيضًا للحفاظ على نفوذها في سوريا بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها في السنوات الأخيرة.
وقال عبادي إن إيران، التي ترى في سوريا حليفًا استراتيجيًا، تسعى لإشعال الاضطرابات عبر دعم هذه الجماعات لضمان استمرار دورها في المنطقة. وأشار إلى احتمالية حدوث مظاهرات واسعة في مناطق العلويين في الساحل السوري، مما قد يؤدي إلى تصعيد خطير يهدد استقرار الحكومة الجديدة.
وشدد عبادي على أن هذه التطورات تمثل اختبارًا حقيقيًا للحكومة السورية الجديدة، التي يجب أن تسعى لتحقيق توازن بين احتواء العلويين والحفاظ على استقرار البلاد. وأكد أن أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى فوضى طويلة الأمد، مما يجعل سوريا ساحة مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية جديدة.
اقرأ ايضا