تشهد مالي تحديات معقدة مرتبطة بتنامي النزعات الانفصالية والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي المالي، أبرزها التدخل الجزائري، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا البلد سيُقدم على تعديل موقفه المعترف بجبهة البوليساريو، الذي يتناقض مع مساعيه إلى الحفاظ على وحدته الترابية، وبالتالي دعم سيادة المغرب على صحرائه، خاصة في ظل التوتر المتزايد مع الجزائر، التي اتهمتها باماكو بدعم المجموعات الإرهابية في مالي، في إشارة إلى حركة “أزواد” التي تطالب بالانفصال عن الدولة المالية.
ويؤكد مهتمون تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن أن طبيعة العلاقات بين الرباط وباماكو، وتعزيز المغرب حضوره في منطقة الساحل عبر مقاربات تنموية واقتصادية شاملة، وانخراط مالي في المبادرات التي أطلقتها المملكة لفائدة الدول الإفريقية، أمور تضع باماكو ضمن قائمة العواصم المرشحة لاتخاذ خطوة جريئة في هذا الصدد، من خلال سحب اعترافها بالكيان الوهمي ودعم مغربية الصحراء، انسجامًا مع مصالحها الوطنية وتوجهات المجتمع الدولي الداعمة للحلول الواقعية والعملية لهذا النزاع الإقليمي.
في هذا الإطار قال محمد الغيث ماء العينين، عضو المركز الدولي للدبلوماسية وحوار الحضارات، إن “السلطات في مالي تأكدت أن النظام الجزائري يمثل سرطانًا في إفريقيا، إذ يحاول خلق بؤر انفصالية أخرى في دول الجوار بعدما فشل مشروعه الانفصالي في الصحراء المغربية”، مضيفًا أن “الجزائر تسعى إلى وراثة النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل، وتتعامل بتعالٍ مع دول المنطقة”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “الجزائر تعتبر نفسها دولة إقليمية ذات نفوذ، وتسعى إلى خدمة أجندتها التوسعية في المنطقة من خلال تغذية النزعات الانفصالية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلى درجة أنها لمّحت إلى أن بيان الخارجية المالية الأخير ضد التدخلات الجزائرية قد صيغ بقلم مغربي، وهو ما يدل على أنها لا تتقبل وجود دولة ذات سيادة في الساحل، وهو منطق استعماري”.
وبخصوص موقف باماكو من قضية الصحراء أكد ماء العينين أن “مالي ستتجه بكل تأكيد نحو اتخاذ خطوة في اتجاه الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ليس من باب الرد على التدخلات الجزائرية في الشأن المالي، بل لأن العالم كله أصبح واعيًا بأن الطرح الانفصالي غير واقعي وغير مقبول”، وزاد: “كما أن الدول التي تحترم قرارات مجلس الأمن مدعوة إلى دعم الطرح المغربي وقطع الطريق على طرح الاستفتاء الذي أقبرته قرارات هذا المجلس الأممي لصالح المقاربات الواقعية والجدية لحل هذا النزاع”.
وبيّن المحلل ذاته أن “تأخر مالي في اتخاذ موقف داعم للسيادة المغربية على الصحراء أمر مفهوم بحكم الأوضاع الداخلية التي تحتل أولوية لدى حكام هذا البلد في الوقت الراهن”، مردفا: “كما أن باماكو اعترفت ضمنيًا بمغربية الصحراء من خلال انخراطها في المبادرة الأطلسية، إذ يعد ميناء الداخلة الأطلسي في الأقاليم الجنوبية للمملكة نقطة محورية فيها”.
من جهته اعتبر جواد القسمي، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “مسألة سحب مالي اعترافها بالبوليساريو ودعمها مغربية الصحراء قضية معقدة تتأثر بعدة عوامل داخلية وإقليمية متشابكة؛ إلا أن التطورات في المنطقة والتحولات الجيوسياسية العميقة، إضافة إلى التنافس الإقليمي على النفوذ، أمور قد تدفع مالي إلى إعادة تقييم سياساتها الخارجية مع دول المنطقة، بما في ذلك موقفها من قضية الصحراء”.
وأضاف القسمي موضحًا: “بالنظر إلى العلاقات الثنائية بين مالي والمغرب والتطور الإيجابي الذي شهدته في السنوات الأخيرة، خاصة في المجالات الاقتصادية والأمنية، إذ تعتبر باماكو الرباط شريكًا إستراتيجيًا في المنطقة، فإن هذا يجعلها أقرب في خطواتها إلى المملكة المغربية باتخاذ مواقف تدعم توجهها على المستوى الخارجي”.
وشدد المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “مسألة اعتراف مالي بمغربية الصحراء ولو أنها قريبة أكثر من أي وقت مضى إلا أنها قد تتأثر بالواقع الهش الذي تعيشه البلاد داخليًا، وعدم الرغبة في زيادة التوتر مع الجزائر في ظل التدخل الجزائري في الشأن الداخلي للماليين”، مبرزًا أن “خطوة سحب مالي اعترافها بالبوليساريو ودعم مغربية الصحراء ستظل مرهونة بتقييم مالي دقيق للمتغيرات الإقليمية والداخلية، إضافة إلى تقديرها المكاسب والخسائر المحتملة من هذا التغيير في سياستها الخارجية”.