"شيلوا فلوسكم من المنزل واودعوهم في البنك" عبارة تصدرت الصحف والمواقع المغربية خلال الساعات الأخيرة، تشير إلى الدعوة التي وجهتها الحكومة المغربية للمواطنين، بضرورة إيداع أموالهم التي يحتفظون بها في المنازل، داخل البنوك.
وأثارت التصريحات الحكومية في المغرب، العديد من التساؤلات حول أسباب دعوتها للمواطنين لإيداع أموالهم في البنوك؟ ولما المواطنين يفضلون الاحتفاظ بالاموال داخل المنازل، وعدم اللجوء إلى الجهاز المصرفي للدولة؟ وما تأثير ذلك على الاقتصاد، سوف نجيب على هذه التساؤلات خلال السطور التالية.
معاناة الجهاز المصرفي المغربي
بالرغم من أن المغرب تعتبر من أكبر الدول العربية التي تتمتع بعامل جذب كبير للاستثمارات، وزيادة معدلات الصناعة والانتاج، إلا أن الجهاز المصرفي فيها يعاني منذ نحو عامين، بسبب لجوء المواطنين إلى ادخار أموالهم في المنازل بعيدا عن البنوك.
أزمة سيولة في البنوك المغربية
وتسبب هذا الأمر في أزمة سيولة داخل البنوك المحلية، وتراجع معدلات الاستثمارات المحلية، مما أصبح يهدد قدرة الاقتصاد المغربي على التعافي، مما جعل الحكومة تمنح المواطنين فرصة للتصريح عن مدخراهم التي يدخرونها في المنزل ودفع ضريبة عليها بنسبة 5% من إجمالي المبلغ المدخر، أو الاستعداد لدفع ضرائب تتراوح ما بين 30% إلى 37% على هذه الأموال.
تأثير ادخار الأموال على الاقتصاد المغربي
وعند النظر على تأثير هذا الأمر الاقتصاد، فإن اخر إحصائية تشير إلى أن قيمة الأموال المدخرة في المنازل بعيدا عن القطاع المصرفي المغربي، تصل إلى 42 مليار دولار، وهو ما فاقم ازمة سيولة البنوك التي وصلت إلي 10 مليارات دولار.
وفي تصريحات سابقة له، قال محافظ البنك المركزي المغربي، بأن دولته تصنف ضمن البلدان الأولى عالميا التي يسود فيها التعامل بالنقد بشكل كبير.
ووفق منصة الأبحاث البريطانية "ميرشانت ماشين"، فإن المغرب يتصدر الدول العشرين الأكثر اعتمادا على الأداء النقدي عام 2022، حيث شهدت البلاد ارتفاع استعمال "الكاش" منذ انقضاء جائحة كورونا، إذ انتقل من 342 مليار درهم (34 مليار دولار) سنة 2021، إلى 386 مليار (38 مليار دولار) في 2022، ثم 393 مليار درهم (39 مليار دولار) نهاية عام 2023.
وكشف عدد من خبراء الاقتصاد، إن هناك أزمة ثقة، تسببت في الإقبال المحدود على المعاملات الإلكترونية بسبب عدم الثقة بالمؤسسات المالية والمصرفية، وأيضا عدم الانفتاح على التقنيات الرقمية، خاصة بين الأجيال الكبيرة في السن لتعقيدات الأداء الرقمي وصعوبة التعامل بهذه الوسيلة، وهذا بالإضافة إلى فرض عمولات على الأداء الرقمي للفواتير، مما يجعل المواطن يفضل الأداء نقدا.
ومن أبرز العوامل التي جعلت المغاربة يعتمدون على التداول النقدي، هي أن نسبة كبيرة من المغاربة خارج النظام البنكي وليست لديهم حسابات بنكية، وحتى أولئك الذين لديهم حسابات بنكية يفضل العديد منهم الأداء نقدا، ناهيك عن أكثر القطاعات التي تفضل التعامل النقدي هو القطاع الفلاحي إذ إن معظم سكان البوادي -الذين يمثلون 40% من السكان- يتعاملون بالنقود بسبب قلة الوكالات البنكية في قراهم، وأيضا لأن مدخراتهم محدودة ويفضلون عدم وضعها في البنوك.
أما القطاع الآخر فهو القطاع غير المهيكل، وهو مجموعة من المؤسسات غير المسجلة التي تملكها الأسر المعيشية، والتي تنتج على الأقل بعض المنتجات للسوق، والذي يمثل حوالي 30% من النشاط الاقتصادي، وتتم المعاملات فيه نقدا.
تداعيات عدم ايداع النقود في البنوك
ويتسبب ارتفاع التداول النقدي خارج البنوك، في تداعيات كبيرة على الاقتصاد، إذ من شأنه أن يؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة، خاصة في الظروف الاقتصادية الحالية المتسمة بارتفاع نسبة التضخم، مما يضطر البنك المركزي إلى التدخل لتوفير السيولة للبنوك لتحقيق الاكتفاء الذاتي داخل السوق المالية.
كما أن ارتفاع التداول النقدي يعني أن أموالا طائلة تتحرك في البلاد دون أن تستفيد منها خزينة الدولة، حيث لا تستخلص منها الضرائب، وبالتالي لا يتم استثمارها في تحسين الخدمات الموجهة للمواطنين.
جهود بلا فائدة
وبالرغم من الجهود التي تقوم بها الحكومة المغربية في تشجيع المعاملات المالية الإلكترونية، إلا أن النقود الورقية ظلت هي طريقة الدفع الأكثر شعبية لدى المغاربة، مما تسبب في فاقم حجم الأضرار التي يسببها للاقتصاد المغربي، التي تصل قيمتها حسب تقديرات الخبراء إلى 7 مليارات درهم سنويا، ويتعلق الأمر بآفة اقتصادية تشكل ضغطا متزايدا على السيولة البنكية.
ولذلك فإن التركيز على توعية المواطنين، وتوفير وسائل الجذب لزيادة التعامل مع القطاع المصرفي، واحدة من المهام الكبيرة أمام البنك المركزي، وهذا ما جعل المغرب تتعرض لهذه الأزمات خلال السنوات الأخيرة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.