يعتبر الأدب المقارن من المجالات الأدبية الحديثة التي ظهرت وتطورت بشكل ملحوظ في القرن التاسع عشر، حيث ساهم في انفتاح الأدباء والعلماء على آداب وثقافات مختلفة،بدأ الأدب المقارن في الظهور كفرع من فروع الأدب التي تهدف إلى دراسة الروابط بين الأدب في مختلف الثقافات، وهو ما يعكس التفاعل الإنساني عبر العصور،إن هذا العالم الأدبي الواسع يتميز بالتنوع الغني، مما يجعل دراسته فعالة لفهم الروابط مع العلوم الأخرى وذلك لنشوء وتطور الثقافة الإنسانية.
مصطلح الأدب المقارن
تباينت آراء علماء الأدب حول مصطلح الأدب المقارن وسبب تسميته بهذا الاسم،فقد وردت انتقادات عدة لهذا المصطلح، حيث يعتبر ضعيفاً في معناه الأصلي،ومع عدم استطاعتهم إيجاد بديل أفضل، اضطر النقاد لاعتباره مسلماً به،مع مرور الزمن، تطور هذا المصطلح ليتحول إلى مفاهيم متعددة تشمل تاريخ الأدب المقارن، التاريخ الأدبي المقارن، وتاريخ العلاقات الأدبية الدولية،وقد أطلق الأديب فرانسوا كويار على الأدب المقارن مصطلح تاريخ العلاقات الأدبية الدولية بصياغة جديدة.
من هنا، تساءل العديد من الأديبين بشأن كلمة “تاريخ” المستخدمة في العديد من المصطلحات المرتبطة بالأدب المقارن،كان الرد شائعاً أن الأدب المقارن يمثل سرداً تاريخياً للأدب، مدعماً بصلة الترابط بين الأنواع الأدبية على مستوى العالم.
تعريف الأدب المقارن
عند تناول تعريف الأدب المقارن، نلاحظ وجود عدة تعريفات لهذا العلم، حيث تختلف هذه التعريفات باختلاف المدارس الأدبية، مما يعني أن لكل مدرسة تعريفاً خاصاً بها،لا تقتصر تلك التعريفات على التعريفات التقليدية، بل تشمل تعريفات معاصرة تلمس الجوانب المختلفة،وفيما يلي نستعرض بعض أهم تلك التعريفات
- الأدب المقارن يمثل دراسة العلاقات الروحية على المستوى الدولي.
- هو علم يدرس الظواهر الأدبية التي تتجاوز حدود اللغة والجغرافيا.
- يجمع جميع الأدب من مختلف بلدان العالم ليخضعه لعملية المقارنة.
- يستطيع الأدب المقارن التنقل بين الآداب العالمية بغض النظر عن اللغة والفكر والثقافة.
- يسهم الأدب المقارن في وصل الحضارات والثقافات من خلال الروابط والأثر الأدبي المتبادل.
- برز الأدب المقارن كأحد العوامل المهمة في تعزيز فهما للترجمة، مما ساهم في انتشارها وتعليم الأدباء لغات متعددة.
- ترتبط قوة الأدب المقارن بتعمق العلاقة بينه وبين علم الترجمة.
نشأة الأدب المقارن
نشأت فكرة الأدب المقارن لأول مرة في فرنسا عام 1827، حيث اهتم الأدباء الفرنسيون بدراسة الآداب المتنوعة في دول أخرى ومقارنتها بالأدب الفرنسي نفسه،شكل الأديب أبيل فيلمان نقطة انطلاق لمجال الأدب المقارن، مما أسهم في دفع الأدباء الفرنسيين للبحث في الأدب العالمي،وفي أوروبا، ونظرًا للاختلافات الفكرية، نشأ جدل حول كيفية ظهور الأدب المقارن وأسبابه.
- أصبح الأدباء الأوروبيون أكثر نضجاً وتوسعاً في رؤيتهم للأدب.
- تشدد المدرسة الرومانسية على فكرة الترابط الأدبي بين الثقافات المختلفة.
مجالات الأدب المقارن
يمتاز الأدب المقارن بعدة ميزات تجعله فريداً في علوم الأدب،من أبرز هذه الميزات ما يلي
- يتطلب دراسة مقارنة بين أدبين مختلفين يحملان ثقافتين ولغتين مختلفتين.
- يسلط الضوء على التأثيرات الأدبية المحلية والعالمية على الكتاب.
- يدرس الاختلافات بين الأدبين من حيث التاريخ، اللغة، والظروف المحيطة بكاتبيهما.
- يجب أن يكون هناك صلة بين الأدبين المختلفين موضوع الدراسة، مثل التأثيرات الثقافية أو التاريخية.
مدارس الأدب المقارن
تشهد أوروبا ظهور عدة مدارس تدرس الأدب المقارن، وتختلف هذه المدارس في مفاهيمها ونظرتها للأدب المقارن،لكل مدرسة مبدأ فلسفي خاص بها، وهنا نعرض بعضها
1،المدرسة الفرنسية
تعتبر المدرسة الفرنسية أن الأدب المقارن هو مقارنة الآداب التي لها صلة تاريخية بجوانب متعددة.
2،المدرسة الأمريكية
تركز هذه المدرسة على الأدب المقارن في سياق القيم الإنسانية، وتشدد على أهمية التجنب من أي مؤثرات عنصرية أو سياسية.
3،المدرسة الروسية
تؤكد المدرسة الروسية على دراسة المنافسات الأدبية من منطلق ثقافي وفلسفي.
العراقيل التي واجهت الأدب المقارن
واجه الأدب المقارن تحديات كثيرة منذ نشأته، ومن أبرز تلك التحديات
- الصعوبات التي واجهت الأدب المقارن في دول أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا، حيث تعثرت محاولاته حتى الستينيات.
- تأخر اهتمام الأدباء الأمريكين بالأدب المقارن مقارنة بالجوانب الأخرى.
- المشاكل التي واجهها في إيطاليا نتيجة النزعة القومية القوية والودية لدى الكتاب الإيطاليين.
- نشوء فروع جديدة تحاكي الأدب المقارن مثل علوم التشريع المقارن وعلم اللغة المقارن.
على الرغم من التحديات الكبيرة، فقد استطاع الأدب المقارن أن يطور مسيرته محققاً مكانة مميزة في مجالات الأدب والعلوم،فلا شك أن التواصل بين الآداب المختلفة يفتح آفاقاً جديدة للبحث والابتكار، مما يعزز الفكر الإنساني ويسهم في التنوع الثقافي.