أعلن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أول أمس الثلاثاء في الرباط، أن فرنسا تعتزم تعزيز حضورها القنصلي والثقافي في الصحراء المغربية من أجل إحداث رابطة فرنسية.
وقال الوزير الفرنسي، خلال لقاء صحافي عقب مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة: “سنعمل على تعزيز حضورنا القنصلي والثقافي من أجل إحداث رابطة فرنسية”.
ويرى خبراء أن إعلان الوزير الفرنسي قد يحيل إلى عزم فرنسا افتتاح قنصلية في الأقاليم الجنوبية، في خطوة تعد الأولى من نوعها لدولة أوروبية، مما يظهر تحولا دبلوماسيا واضحا من فرنسا تجاه قضية الصحراء المغربية، ويتماشى مع تعزيز الاستثمارات الفرنسية في جنوب المغرب، وخاصة في مجالات مثل الطاقات المتجددة، وقد يدفع دولا أوروبية أخرى إلى اتخاذ خطوات مشابهة.
في هذا الإطار، قال أحمد نور الدين، خبير في العلاقات الدولية، إن “العرض القنصلي يشمل مجالات متعددة تلتقي عند تقديم خدمات إدارية وثقافية واقتصادية تهم بالأساس مواطني البلد المعني، وهو في هذه الحالة فرنسا، وبالدرجة الثانية كل الراغبين أو المحتاجين إلى تلك الخدمات من مواطني البلد الذي تقدم فيها تلك الخدمات، وهو المغرب في حالتنا هذه، وحتى المقيمون في المغرب”.
وشرح نور الدين، ضمن تصريح لهسبريس، قائلا: “يدخل في هذا الإطار على سبيل المثال، شواهد الحالة المدنية بالنسبة للفرنسيين، والمساعدة أو المصاحبة المقدمة للمستثمرين ورجال الأعمال، ثم الخدمات الثقافية التي تقدمها المراكز الثقافية التابعة للبعثة الفرنسية سواء للفرنسيين المقيمين بالمغرب أو للمغاربة. بالإضافة طبعا إلى التأشيرات، وهي خدمة تقدم أساسا لمواطني البلد والمقيمين فيه، ولا تعني الفرنسيين كما هو معلوم بالضرورة”.
وأوضح نور الدين أن تصريح وزير الخارجية الفرنسي يوم الثلاثاء 29 أكتوبر بالرباط، “يتحدث عن أن السفير الفرنسي بالرباط سينتقل الأسبوع المقبل إلى العيون بالصحراء المغربية، وأن فرنسا ستعمل على زيادة نشاطها القنصلي والثقافي هناك بهدف إنشاء ما يعرف بالرابطة الفرنسية”.
وقال إن “هذا الكلام يعني أن فرنسا ستتقدم خطوة خطوة وبالتدريج نحو فتح قنصلية، لأن إحداث رابطة فرنسية، بالعيون أو الداخلة، أمر في المتناول الآن مباشرة دون انتظار، لأنه يتعلق بفتح مركز ثقافي على غرار العديد من المدن المغربية التي توجد فيها هذه المراكز التي توفر خدمات ثقافية، منها مكتبة متعددة الوسائط، ومنها أيضا الخدمات المقدمة للطلبة الراغبين في الدراسة في فرنسا”.
وتابع: “إذا أضفنا إلى هذا العمل الثقافي ما أعلن عنه الرئيس الفرنسي خلال الزيارة التي يقوم بها إلى المغرب من استثمارات فرنسية في الصحراء المغربية، فهذا يعني أن هناك مستثمرين ورجال أعمال فرنسيين سيحتاجون إلى خدمات إدارية لمواكبتهم في العيون والداخلة على المستوى الاقتصادي والتجاري والإداري، وبذلك تكتمل الشروط الموضوعية لافتتاح القنصلية الفرنسية بالعيون أو الداخلة وتصبح المسألة تحصيل حاصل”.
وأردف نور الدين قائلا: “أظن أنّ القرار السياسي تم اتخاذه، وزيارة السفير الفرنسي للعيون والداخلة تجسيد لهذا القرار؛ افتتاح القنصلية أمر إجرائي تنفيذي قد لا يتجاوز سنة لتجسيده على أرض الواقع”.
وأكد الخبير في العلاقت الدولية أن “افتتاح المركز الثقافي الفرنسي ومن بعده القنصلية الفرنسية سيفتح الباب على مصراعيه للدول الأوروبية للقيام بالخطوة نفسها إذا كانت ترغب في تطوير علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع المغرب، لأن العاهل المغربي كان واضحا في خطابه بأن المغرب لن يقيم شراكات اقتصادية مع دول لا تعترف بسيادة المغرب على كل أراضيه، وعلى رأسها الأقاليم الجنوبية في الصحراء المغربية”.
وأضاف: “على دول العالم التي مازالت تضع رجلا في الرباط ورجلا في الجزائر أن تختار بكل حرية أين تصطف، مع الشرعية التاريخية والأمن والاستقرار أم مع دعاة الانفصال والحروب والأزمات؟”.
من جانبه، قال إدريس لكريني، خبير في العلاقات الدولية، إن “زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب وما صاحبها من أجواء إيجابية قد عززت الثقة بين البلدين، سواء فيما يتعلق بالمستقبل أو بإرساء شراكات جديدة وتوسيع التعاون في مختلف المجالات”.
وأضاف لكريني، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذه الزيارة تأتي في سياق الموقف الإيجابي الذي تبناه الرئيس الفرنسي بشأن قضية الصحراء المغربية، وهو موقف ذو أهمية بالغة نظرا لصدوره عن دولة مؤثرة على الصعيد الدولي، كون فرنسا عضوا في مجلس الأمن وفاعلا مهما في الاتحاد الأوروبي”.
وأكد أنه “لا يمكن اختزال هذا الموقف في مجرد مجاملة للمغرب، بل يعكس قناعة بجهود المملكة في تسوية هذا النزاع المفتعل، وبالمقترحات التي يتضمنها مشروع الحكم الذاتي. هذه المبادرة تمنح سكان الأقاليم الجنوبية فرصة لإقامة تنمية جهوية مستدامة وإدارة شؤونهم بشكل ديمقراطي”.
وتوقع الخبير في العلاقات الدولية أن “يؤدي زخم هذه الزيارة إلى تعميق العلاقات الثنائية، وهو ما قد يدفع فرنسا إلى تجسيد موقفها من خلال خطوات ملموسة”، مؤكدا أن “الحديث عن تعزيز العرض القنصلي يحيل إلى افتتاح قنصلية في الأقاليم الجنوبية”.
وأفاد بأن “هذه الخطوة تشير إلى الثقة في مستوى الاستقرار الذي تعرفه هذه المناطق، وتظهر أيضا رغبة فرنسا في الاستثمار في هذه الأقاليم، خاصة في ظل الإشارات السابقة التي أطلقتها في هذا السياق”.
وأكد لكريني أن “هذا التحرك يعكس إدراك فرنسا للفرص الاستثمارية الكبيرة في المنطقة، ودورها كجسر نحو القارة الإفريقية”، مشيرا إلى أن “المغرب يسعى لجعل هذه الأقاليم محورا للانفتاح على إفريقيا، خاصة في ظل إطلاق مشاريع كبرى ذات بعد إقليمي ودولي، مثل مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، ومشروع الواجهة الأطلسية الإفريقية. هذه المشاريع تعزز التكامل بين إفريقيا وأوروبا، وتفتح آفاقا جديدة للتعاون متعدد الأطراف”.