لطالما ارتبط موضوع النفط والغاز في سوريا بأحلام الثراء والرفاهية لدى المواطنين، لا سيما مع الشائعات التي كانت تُطلقها كوادر النظام السابق في البلاد، بشأن حجم الاحتياطيات ووجود كميات ضخمة.
إلّا أن الحقائق الجغرافية والاقتصادية تشير إلى صورة مغايرة تمامًا، فعلى الرغم من الترويج لإمكانات كبيرة في قطاع الطاقة السوري، فإن الواقع يكشف محدودية هذه الموارد وصعوبة تحقيق عوائد اقتصادية مستدامة منها.
ووفقًا لبيانات قطاع النفط والغاز في سوريا لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، وبالنظر إلى الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة، يبدو أن حلم الثراء عبر النفط والغاز ما يزال بعيد المنال.
فمنذ اكتشاف النفط في سوريا، كان إنتاجه محدودًا مقارنة بالدول الأخرى الغنية بالنفط،، إذ قُدّرت احتياطيات النفط في سوريا عام 2011 بنحو 2.4 مليار برميل، وهو رقم ظل ثابتًا دون زيادة على مدى أكثر من عقد.
ومع ذلك، فإن إنتاج النفط شهد تراجعًا حادًا؛ إذ انخفض من نحو 650 ألف برميل يوميًا في ذروته إلى أقل من 16 ألف برميل يوميًا بعد اندلاع الأزمة السورية في 2011.
ويعكس هذا الانخفاض الكبير حجم التحديات الهائلة التي تواجه قطاع النفط في البلاد، والتي تتراوح بين عدم الاستقرار السياسي ونقص الاستثمارات إلى التحديات التقنية والتلوث البيئي.
قطاع النفط والغاز في سوريا
لا يمكن الحديث عن قدرات قطاع النفط والغاز في سوريا دون الإشارة إلى المبالغات الكبيرة التي صاحبت الحديث عن ثروات البلاد من الطاقة.
فقد ساد اعتقاد شعبي بوجود بحار من النفط والغاز تنتظر الاكتشاف، إلّا أن الخبراء يؤكدون أن هذه الادّعاءات غير واقعية، كما تدعم البيانات آراء الخبراء.
ووفقًا لتحليلات موثوقة، لا توجد أدلة قاطعة على وجود احتياطيات اقتصادية ضخمة من النفط والغاز في سوريا دون إجراء عمليات حفر موسّعة، وهي عمليات غائبة بسبب الوضع السياسي والاقتصادي.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- احتياطيات النفط في سوريا منذ عام 1980 حتى 2023:
كما يستعرض الرسم البياني التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، احتياطيات سوريا من الغاز الطبيعي منذ عام 1980 حتى 2023:
كما أن نوعية النفط المكتشف تؤدي دورًا في تحديد قيمته الاقتصادية، فبينما يحتوي النفط السوري على النوعين الخفيف المطلوب عالميًا والثقيل الحامض، فإن كميات النفط الخفيف قليلة جدًا، ما يحدّمن قدرة البلاد على المنافسة في الأسواق العالمية.
إضافة إلى ذلك، يعاني قطاع النفط السوري من مشكلات بيئية خطيرة، من بينها التلوث النووي الناتج عن استخراج النفط، ما يضيف تحديات جديدة أمام استغلال هذه الموارد.
أثر تراجع إنتاج النفط والغاز في سوريا اقتصاديًا
في العقد الأول من القرن الحالي، كان إنتاج النفط في سوريا يبلغ نحو 400 ألف برميل يوميًا، وهو مستوى متواضع مقارنة بدول الجوار الغنية بالنفط. إلّا أن هذا الرقم تراجعَ بشكل ملحوظ بعد اندلاع الثورة السورية.
في أعوام الصراع الـ13 الأخيرة، انخفض الإنتاج إلى مستويات دنيا، وصلت في بعض المدد إلى نحو 16 ألف برميل يوميًا، مع سيطرة قوى متعددة على حقول النفط الرئيسة.
ويرصد الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- إنتاج النفط الخام والمكثفات والسوائل الغازية في سوريا منذ عام 1968 حتى 2023:
أمّا بالنسبة للغاز، فإن الوضع ليس أفضل بكثير، فالكميات المكتشفة قليلة، ولا تكفي لتلبية الاستهلاك المحلي، ما يضطر سوريا إلى الاعتماد على استيراد مصادر طاقة أخرى، مثل النفط والغاز المسال.
ويوضح الرسم البياني التالي إنتاج سوريا من الغاز الطبيعي منذ عام 1983 حتى 2023:
بالإضافة إلى ذلك، تواجه البلاد أزمة طاقة مستمرة تؤثّر في إنتاج الكهرباء، وتزيد من الأعباء الاقتصادية على الحكومة والمواطنين.
مشكلات بيئية وصحية
من بين القضايا الأكثر إلحاحًا في قطاع النفط السوري، قضية التلوث البيئي الناتج عن عمليات الاستخراج غير المنظمة.
ووفقًا للخبراء، تعاني بعض الحقول النفطية من تلوث نووي خطير بسبب تسرب المياه المشعّة من باطن الأرض، وهو ما تسبَّب في مشكلات صحية كبيرة للسكان المحليين، بما في ذلك ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية.
وتمثّل التحديات البيئية عبئًا إضافيًا على الحكومة السورية الجديدة، إذ يتطلب تنظيف المناطق الملوثة موارد ضخمة وتعاونًا دوليًا، وبالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تأهيل قطاع النفط تتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
إستراتيجيات استغلال النفط والغاز في سوريا
مع هذه التحديات، يبدو أن الحلول الجذرية تتطلب إعادة النظر بإستراتيجيات استغلال النفط والغاز في سوريا.
فبدلًا من الاعتماد على موارد محدودة وغير مؤكدة، يمكن للحكومة التركيز على تنويع مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة، كما أن التعاون الدولي في مجال تنظيف المناطق الملوثة وإعادة تأهيل الحقول النفطية قد يسهم في تخفيف العبء البيئي وتحسين العوائد الاقتصادية.
وعلى ذلك، يبدو أن الثراء الذي طالما ارتبط بقطاع النفط والغاز في سوريا مجرد سراب، إذ تجعل التحديات الجغرافية والسياسية والاقتصادية من الصعب تحقيق أيّ فوائد ملموسة للمواطنين في الوقت الحالي.
وإذا كانت هناك آمال بتحقيق الازدهار، فهي تعتمد على إدارة حكيمة وشفافة لموارد البلاد، وجهود مستمرة للتغلب على التحديات القائمة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..