التسامح والعفو هما من القيم الإنسانية العظيمة التي دعا إليها الكثير من الأنبياء ولعبت دورًا محوريًا في بناء المجتمعات المستقرة،يُعتبر التسامح جسرًا يربط بين القلوب ويساهم في تخفيف الأحقاد والأوصاف السلبية بين الأفراد،لقد أكد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على أهمية التسامح والعفو في جميع أحاديثه، مما يبرز أهمية هذه الفضائل في تثبيت العلاقات الاجتماعية وتقدير الآخر،سنستعرض في هذا المقال بعض النصوص الدينية والمواقف التاريخية التي تؤكد على ضرورة هذه القيم في حياتنا اليومية.
حديث نبوي شريف عن التسامح
توجد العديد من الأحاديث النبوية التي تشدد على أهمية التسامح والعفو في الإسلام،من هذه الأحاديث
- عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى)،رواه مسلم.
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)،متفق عليه.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)،متفق عليه.
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم الأعرابي قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء)،متفق عليه.
وهذه مجرد أمثلة قليلة من الأحاديث التي تؤكد على فضل التسامح والعفو، وهناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدعو إلى ذلك، خاصةً في التعامل مع إيذاء الناس وصبر المسلم على مثل هذه المواقف.
التسامح في الإسلام
يأتي التسامح كقيمة أساسية في الإسلام، حيث أُرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم كرسول رحمة للعالمين،يهدف الإسلام إلى تحقيق السلم والسلام بين الناس من خلال التأكيد على أهمية العفو والتسامح،وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعونا إلى التحلي بهذه الفضائل.
تميّز الإسلام بتركه مجالاً واسعًا للتسامح، حيث قال تعالى في كتابه العزيز {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…} مما يدل على أهمية التوازن والعدل في التعامل مع الآخرين،يجب على المسلمين الاقتداء بتعاليم دينهم وبأفعال النبي صلى الله عليه وسلم في التسامح والعفو، فهو مثال يُحتذى به في كل المواقف.
آيات قرآنية عن التسامح
تشكل الآيات القرآنية قاعدة مهمة للمسلمين في موضوع التسامح، ومن بين هذه الآيات
- قال تعالى {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } (43) سورة الشورى.
- قال تعالى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران.
- قال تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (22) سورة النور.
- قال تعالى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(85) سورة الحجر.
- قال تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}(199) سورة الأعراف.
- قوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(34) سورة فصلت.
قصص عن تسامح النبي صلى الله عليه وسلم
توجد العديد من القصص التي تعكس تسامح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الأمثلة على ذلك
قصة النبي مع الرجل الذي كان يريد أن يقتله
تروي هذه القصة أن جابر عبد الله رضي الله عنه شهد موقفًا يدل على تسامح الرسول، حيث وقع هذا الحادث في غزوة الرقاع، عندما اقترب مشرك من النبي بخبث ليغتاله،لكنه وبفعل الله، وقع السيف من يد المشرك، فتجلى موقف النبي الذي رفع السيف وقال له من يمنعني منك لكن الأخير أدرك طيبة النبي وأعلن إسلامه بعد ذلك.
قصة فتح مكة
واحدة من أبرز اللحظات التي تجسد تسامح النبي كانت عند دخول مكة بعد سنوات من الصراع،الأعاجيب هنا كانت في طريقة إدارة النبي للموقف،سألهم ماذا يظنون أنه سيفعل بهم؛ فأجابوا بخير، ليقول لهم اذهبوا أنتم الطلقاء،هذه اللفتة أرسلت رسالة قوية عن العفو والتسامح في أصعب الأوقات.
وفي الختام، يجب أن نتذكر أن التسامح والعفو هما جوهر الرسالة الإسلامية،إن التماس الأعذار للآخرين وتحقيق العفو يجلبان السلام إلى النفس والمجتمع،دعونا نجعل التسامح مبدأً أساسيًا في حياتنا اليومية، ليس فقط لكسب رضا الله، بل لبناء مجتمع متكاتف ومتفاهم.
