لَسْتَ فِي حَاجَةٍ لِلْكَلَامِ
لِعِلْمِكَ مِنْ قَبْلُ بَاغَتَنِي الْوَحْشُ
كَسَّرَ فَوْقِي نَبَابِيتَهُ الْخَيْزَرَانَ
وَأَعْرِفُ مَا فِيكَ
مَرْبُوطَتَانِ يَدَاكَ إِلَى الْخَلْفِ
عَيْنُكَ مَعْصُوبَةٌ بِشَرِيحَةِ صُوفٍ
وَتَسْمَعُ رَفْرَفَةَ الْمِرْوَحِيَّةِ وَهْيَ مُغَادِرَةٌ
بَعْدَمَا أَنْزَلَتْكَ عَلَى سَطْحِ نَاطِحَةٍ
فِي خَرَابٍ مَهُولٍ
وَحِيدًا وَتَرْعَشُ
تَغْرَقُ فِي شِبْرِ نُسْتَالْجِيَا
وَتُرِيدُ عِنَاقًا
تُرِيدُ شِوَاءً عَلَى حَجَرٍ فِي الْبَرَارِي
تُرِيدُ السُّلَالَةَ كَامِلَةً حَوْلَ نَارِكَ
ثَرْثَرَةً وَنَدَامَى
تُرِيدُ الْمَسَاءَ عَلَى هَيْأَةِ امْرَأَةٍ
تَتَوَسَّدُ عَنْزَتَهَا الْجَبَلِيَّةَ
وَهْيَ تُلَقِّمُ غَلْيُونَهَا قُنَّبًا رَعَوِيًّا
تُرِيدُ حَمِيمِيَّةً إِسْتِوَائِيَّةً
يَتَأَوَّهُ فُلْفُلُهَا
تَحْتَ وَنَّاسَةِ الْقَمَرِ الْوَثَنِيِّ
تُرِيدُ كِهَانَةَ ضَيْفٍ غَرِيبٍ
عَلى مِشْعَلٍ فِي الْمَغَارَةِ
تَطْرَبُ مِنْهُ الظِلَالُ
تَعَالَ مَعِي..
مَرَّةً كُنْتُ نَدَّاهَةً!
يَلْبَسُ الْلَيْلُ حُلْكَتَهُ
وُيُدِيرُ إِذَاعَةَ صُرْصُورِهِ
وَيُدَخِّنُ فِي كِبْرِيَاءٍ ضَبَابَتَهُ
فَأُنَادِي عَلَى بَائِسٍ أَوْ شَرِيدٍ
وَأُوسِعُهُ جِعَةً أَلْفَلَيْلِيَّةً
فَوْقَ رِيشِ نَعَامٍ
وَأُبْقِيهِ حَيًّا
يُرَى فِي الصَّبَاحِ
كَأَنْ حَمَّمَتْهُ مَلَائِكَةٌ فِي مَزَازِيكِهَا
عَمَلٌ رَائِعٌ لَمْ يَرُقْ لِلْخُرَافَةِ
خَافَتْ عَلَى سُمْعَةِ الْلَيْلِ
مِنْ رَهَفِي وَسُلَافَةِ عَاطِفَتِي
طَرَدَتْنِي مِنَ الْحَقْلِ صَارِخَةً:
أَنْتَ أَخْيَبُ أًسْطُورَةٍ شُفْتُهَا فِي حَيَاتِي.
وَأَصْبَحْتُ يَا صَاحِبي سُوسَةً!
كُنْتُ أَعْمَلُ ضَابِطَ مَتْلَفَةٍ
بِقِطَاعِ مُكَافَحَةِ الشَّجَرَاتِ
وَذَاتَ مَسَا تَتَقَصَّعُ فِيهِ الرُّطُوبَةُ
مَاشِيَةً فِي الدِّيَارِ
سَحْبْتُ جُنُودِيَ مِنْ سَاقِ جُمَّيْزَةٍ غَادَةٍ
وَدَخَلْتُ بِهِمْ عَرْشَ طَاغِيَةٍ
وَنَخَرْنَا بِكَامِلِ شَهْوَتِنَا
حَدَّ أَنْ فَضَحَتْنَا النُّشَارَةُ
وَهْيَ عَلَى شَكْلِ مِشْنَقَةٍ
بَصَقَ الْقَحْطُ فِيَّ
وَأَوْثَقَنِي تَحْتَ دَوَّاسَةٍ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ
أَعْدَمَنِي بِحِذَاءِ الَّذِينَ اشْتَهَيْتُ تُرَابًا
يُطَرِّزُ آيَتَهُ بِخُطَاهمْ.
وَأَصْبَحْتُ دَوَّامَةً!
فَوَشَتْ مَوْجَةٌ بِي
رَأَتْنِي أُقَلِّصُ دَائِرَتِي
لِزَوَارِقِ صَيْدٍ مُشَارِفَةٍ
وَأُسَرِّعُهَا تَحْتَ بَارِجَةٍ
أَتَذَكَّرُ بَكَّتَنِي الْبَحْرُ..
قَالَ: أَهَنْتَ حِيَادِي
وَبَخَّرَنِي
عِبْرَةً لِلَّذِينَ يُوَارُونَ أَدْمِغَةً حُرَّةً
بَيْنَ فِزْيَائِهِمْ.
ثُمَّ صِرْتُ أَدِيمًا كَمَا أَنْتَ رَاءٍ
فَعَيَّنَنِي الطِّينُ فَوْرًا
عَلَى مَتْنِ رِحْلَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ
عَامِلَ بَوْصَلَةٍ فِي النَّهَارِ
وَعَمَّالَ عَاطِفَةٍ فِي الْلَيَالِي
رَأَيْتُكَ إِبَّانَ عَسْعَسَتِي
جَاثِيًا فِي الْعَرَاءِ وَتَشْهَقُ فِي الدَّمِ
ذَاتُكَ مَبْطُوحَةٌ وَحَيَاتُكَ وَارِمَةٌ
وَعَمُودُ خَيَالِكَ مَخْلُوعَةٌ كُلُّ فِقْرَاتِهِ
لَسْتَ فِي حَاجَةٍ لِلْكَلَامِ
لِعِلْمِكَ مِنْ قَبْلُ بَاغَتَنِي الْوَحْشُ
كَسَّرَ فَوْقِي نَبَابِيتَهُ الْخَيْزَرَانَ
وَأَعْرِفُ مَا فِيك.