شكك يساريون مغاربة في اعتبار الأحداث التي جرت في سوريا مؤخرًا وأدت إلى سقوط نظام بشار الأسد على يد المعارضة السورية المسلحة بزعامة قوات هيئة تحرير الشام، “ثورة شعبية”، وفي أن قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الملقب بـ”الجولاني” سيلبي مطالب إقامة دولة مدنية وديمقراطية، متهمين أمريكا وإسرائيل بـ”استغلال الأحداث لقلب الطاولة لصالحهما”.
وفي ندوة نظمتها الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب، مساء اليوم الجمعة بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، اعتبر قادة أحزاب يسارية مغربية أن “سقوط بشار الأسد بهذه السرعة كان مشكوكًا في نواياه، وأظهر أن ما يجري غزو إمبريالي واضح المعالم للتراب السوري”.
زلزال سياسي
علي بوطوالة، نائب الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار، قال إن “رؤية قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، الملقب بالجولاني، يجلس على كرسي الرئاسة السورية، مشهد مؤلم”.
وأضاف بوطوالة، في كلمته خلال الندوة، أن ما جرى في سوريا انطلق منذ عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها حركة حماس الفلسطينية، حيث حدث بعدها أن استغل الكيان الصهيوني الأمر لتوجيه ضربات قاضية بتصفية العديد من الأسماء المقاومة البارزة.
وأوضح نائب الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار أن هذا الأمر عرف “استهدافا لدولة إيران التي رفضت الانخراط في الحرب الإقليمية ضد إسرائيل بشتى الطرق، ومن جهة أخرى تركيز روسيا البالغ على أوكرانيا”.
هذه العوامل، وفق المتحدث ذاته، ساهمت في “تشجيع أعداء النظام السوري لبشار الأسد من المعارضة المسلحة في إطلاق عملية ردع العدوان، التي أسقطته في عشرة أيام فقط”، مؤكدا أن الأمر “أحدث زلزالًا سياسيًا واسع المعالم في المنطقة، سيستمر أثره لوقت طويل”.
وشكك السياسي المغربي في “إمكانية تلبية الجولاني مطالب هيئات سورية عديدة بإقامة دولة ديمقراطية مدنية”، مشددا على أن “ما حدث في سوريا ليس ثورة، بل أحداث تفيد تركيا وإسرائيل وأمريكا”.
غزو صهيو-أمريكي
جمال براجع، الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي، سار على مسار بوطوالة، قائلا إن “ما حدث ليس ثورة، بل غزو صهيو-أمريكي جديد لسوريا”.
وأضاف براجع أن النظام السوري “قمع فعلاً الثورة السورية التي جاءت بمطالب عادلة، وكان قريبًا من السقوط لكن إيران وسوريا دعمته لتدخل البلاد في حرب أهلية طاحنة دمرت الشعب وهجرته، ومن بقي عاش فقيرًا، واغتنى أفراد الجيش خلال هذه الحرب”.
واعتبر المتحدث أن هذه الأحداث “ساهمت بشكل واضح من خلال ضعف النظام الاستبدادي لبشار في السقوط في عشرة أيام بطريقة مفاجئة، وأظهرت أطماع أمريكا وإسرائيل وتركيا وأطراف خارجية في غزو جديد لسوريا يسير بشكل واضح من أجل إضعاف خط المقاومة الفلسطينية، حيث كان حزب الله يستغل أرض الشام لنقل السلاح”.
وذكر براجع أن هذه الأحداث “ستزيد من قوة النظام الصهيوني، وتوغله في المنطقة، وعالميًا ستؤثر على التعددية القطبية من خلال إضعاف نفوذ روسيا”.
شكوك وآمال معلقة
وبالنسبة لجمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، ليس هناك مبررات “للتعاطف مع نظام بشار الأسد، بالنظر لممارساته الاستبدادية في قمع ثورة 2011”.
واعتبر العسري أن ما يجري ليس وليد “طوفان الأقصى”، بل يمتد إلى 1917، حيث عاشت المنطقة نكسات ونكبات متعددة. وفي 2011، رغب السوريون في مطالب الحرية والعدالة وإسقاط النظام، مؤكدًا أن “هذه المطالب في عالمنا العربي، رغم أنها لم تطالب بإعادة النظام، لكنها رسمت خيارات عديدة، ومنها المشهد السوري المتفرد، حيث صمد بشار الأسد بفعل دعم روسي وإيراني”.
ورفض المتحدث اعتبار أمريكا وإسرائيل وتركيا وغيرها من الأنظمة الإمبريالية مسؤولة لوحدها عما حدث، مؤكدًا أن “روسيا وإيران مارستا أيضًا الفعل نفسه طمعًا في ثروات سوريا”.
على صعيد آخر، يرى العسري أن هذا أيضًا لا يمكن من خلاله “إخفاء الشكوك الموجودة تجاه المعارضة السورية التي أسقطت النظام في كون أفعالها السابقة تعارض أقوالها اليوم”، مؤكدا أن “تعليق الآمال عليها يرافقه العديد من التساؤلات”.
واعتبر الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد أن “مشكلة الشعب السوري هي أن القدر وضعه بين نظام استبدادي لبشار الأسد وكيانات معارضة أثبت الواقع أنها بعيدة كل البعد عن الديمقراطية”.