أخبار عاجلة

التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا

التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا
التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا

قريباً، قد نجد بشراً يسيرون في الشوارع، ويبتسمون لنا في الطرقات، ويلقون التحية، لكنهم ليسوا أحياءً، لديهم أنسجة بشرية حية، وأعين يرون بها، لكنهم ليسوا من البشر، يتعاطفون معك ويشعرون بهمومك، لكن ليس لديهم مخاوف. فخلف هذه الابتسامة الرقيقة عقل اصطناعي ضخم مكون من مليارات الترانستورات، وتحت جلودهم صفائح وأسلاك معدنية، هؤلاء هم الروبوتات البشرية (Humanoid Robots). وهي عملية “إعادة بناء للروبوتات” لكن على الطريقة الداروينية البيولوجية. ففي خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجال التكنولوجيا، تظهر الروبوتات البشرية أو الروبوتات الشبيهة بالبشر كأحد الابتكارات التي تعكس التحول العميق في العلاقة بين الإنسان والآلة.

وهذه الروبوتات، التي تُصمم لتحاكي البشر في بنيتها وسلوكها، ليست مجرد أدوات ميكانيكية؛ بل تُمثل إطاراً جديداً يتيح تفاعلاً أكثر تطوراً وعمقاً بين التكنولوجيا والمجتمع الإنساني، ومن المُتوقع أن تؤدي الطفرات التقنية في تصنيع مثل هذه الروبوتات إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي لكي تسمح بظهور علاقات اجتماعية بين الطرفين.

أهم المبادرات الرائدة:

شهدت الأعوام القليلة الماضية عدة مبادرات للتوجه نحو بناء الروبوت البشري، منها روبوت “أوبتيموس” من شركة “تسلا” الذي سيكون متاحاً في عام 2025، وروبوتات “فيجر” من شركة (Figure) والتي أصبحت متاحة بالفعل في بعض الأسواق، فضلاً عن توقيع شراكة بين شركة “إنفيديا” (Nvidia) وعدة شركات تايوانية لبداية الإنتاج الضخم للروبوتات البشرية؛ مما يمهد الطريق نحو بداية عصر الروبوتات اليومية (Everyday Robot)؛ أي روبوت يمكنه القيام بالمهام اليومية والمعتادة التي يقوم بها البشر. ويمكن توضيح تفاصيل هذه الروبوتات في التالي:

1- روبوت “أوبتيموس”: يأتي روبوت شركة “تسلا” على قائمة أهم المبادرات العالمية في مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر، والذي يُعد علامة فارقة في هذا المجال. وهو يتميز بقدرته على أداء مهام متنوعة وشاقة، بدءاً من العمل في خطوط الإنتاج وصولاً إلى تقديم الدعم المنزلي، كما أنه قادر على السير حتى في المناطق غير المؤهلة. ويعتمد في ذلك على نفس أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في سيارات “تسلا” ذاتية القيادة؛ مما يمنحه قدرة فائقة على التكيف واتخاذ القرارات في الزمن الفعلي لها.

وتم الكشف عن روبوت “أوبتيموس” لأول مرة في 19 أغسطس 2021، حيث أعلن إيلون ماسك عن خطط “تسلا” لتطوير روبوت بشري للأغراض العامة. وفي 30 سبتمبر 2022، عرضت “تسلا” نموذجاً أولياً للروبوت خلال فعالية “يوم الذكاء الاصطناعي”. وفي إبريل 2024، أشار ماسك إلى إمكانية بدء بيع الروبوتات البشرية “أوبتيموس” بحلول نهاية عام 2025.

وحول الإمكانات الواعدة لهذا الروبوت، قال ماسك: “أوبتيموس سيكون قادراً على السير بينكم، ويمكنكم التفاعل معه مباشرةً”. وأضاف: “الروبوت سيقوم بمهام متعددة: يمكن أن يكون مدرساً، أو يعتني بأطفالك، أو يمشي مع كلبك، أو يقص العشب في حديقتك، أو يحضر لك البقالة، أو يكون مجرد صديق لك، أو يقدم لك المشروبات.. أي شيء يمكنك التفكير فيه، سوف يقوم به”؛ مما يبرز الإمكانات الواسعة التي يتمتع بها هذا الروبوت.

ويزن روبوت “أوبتيموس” نحو 56 كيلوغراماً، ويبلغ طوله 170 سنتيمتراً، ومن المُنتظر أن يشهد العام 2025 بداية الاستخدام التجاري الفعلي لهذه النوعية من الروبوتات؛ لكي نجدها في مراكز خدمة العملاء والمستشفيات والمولات والمصانع وداخل المنازل، على أن تبدأ عمليات الإنتاج الضخم واسع النطاق لهذه الروبوتات بحلول عام 2026. وسوف تتوافر بأسعار في حدود 20 إلى 30 ألف دولار؛ مما يجعل تكلفتها مقبولة للغاية مقارنةً بسوق الروبوتات العالمية.

2- روبوت “فيجر”: في يناير 2024، أعلنت شركة “فيجر”، التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها والمتخصصة في تطوير الروبوتات ذاتية التحكم، عن توقيع اتفاقية تجارية تاريخية مع شركة “بي إم دبليو” (BMW)؛ حيث تهدف هذه الشراكة إلى دمج الروبوتات متعددة الأغراض في العمليات الإنتاجية المعقدة والصعبة في كثير من الأحيان لإنتاج السيارات.

وتم تصميم روبوتات “فيجر” لتولي المهام الصعبة وغير الآمنة والمتعبة في خطوط الإنتاج؛ مما يتيح للموظفين البشر التركيز على المهام التي تتطلب مستويات عالية من الإبداع ومهارات حل المشكلات، بما يسهم في تحسين الكفاءة ويعزز معايير السلامة في مكان العمل، حيث يتم تفويض المهام الخطرة أو التي تتطلب جهداً بدنياً إلى الروبوتات.

وتقوم الشراكة بين “فيجر” و”بي إم دبليو” على نهج يعتمد على تحديد حالات الاستخدام المحددة للروبوتات، حيث يتم تنفيذ مشروعات تجريبية في مصنع “بي إم دبليو” في سبارتانبورغ بولاية ساوث كارولينا الأمريكية؛ وتهدف هذه المشروعات إلى جمع الخبرات اللازمة لتحسين عملية نشر التكنولوجيا بشكل تدريجي. بالإضافة إلى ذلك، يتعاون الطرفان في استكشاف تقنيات متقدمة، تشمل الذكاء الاصطناعي، والتحكم في الروبوتات، والمحاكاة الافتراضية للإنتاج؛ لتطوير حلول مبتكرة تعزز الكفاءة والإنتاجية.

وخلال تجربة استمرت عدة أسابيع في مصنع “بي إم دبليو”، نجح الروبوت (Figure 02) في تنفيذ عمليات إدخال أجزاء من الصفائح المعدنية في تركيبات محددة، والتي تُستخدم لاحقاً في تجميع الهيكل. وتُمثل هذه المهمة تحدياً كبيراً، حيث تتطلب مهارة ودقة عالية؛ مما يعكس الإمكانات المتقدمة التي تتمتع بها هذه الروبوتات.

3- مبادرة “إنفيديا” في الروبوتات البشرية: أعلنت شركة “إنفيديا”، في نهاية 2024، عن رؤيتها الطموحة لدخول مجال الروبوتات البشرية من خلال تأسيس سلسلة تصنيع وإمداد وبنية تحتية متقدمة في تايوان، وتسعى المبادرة إلى تطوير روبوتات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز الابتكار الصناعي والخدمي.

واستهدفت شركة “إنفيديا” تايوان للاستفادة من البنية الصناعية القوية لها، خاصةً مصنعي الآلات والمعدات التي ستقوم بتصنيع الروبوتات، بما يساعد على تسريع عمليات البحث والتطوير في مجال الميكنة الذكية لتوفير تقنيات تعطي الروبوتات مرونة وديناميكية في الحركة تشبه البشر. كما أن تايوان هي أكبر مورد لخوادم “إنفيديا”؛ مما يعطيها ميزة تنافسية عن غيرها من الدول كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. وتهتم “إنفيديا”، من ناحية أخرى، ببناء نظم التعلم الآلي والتعلم العميق وتدريب البيانات وتوفير الشرائح الذكية التي ستقوم بتشغيل هذه الروبوتات.

الروبوتات البشرية التوليدية:

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تطوراً غير مسبوق في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يمثل نقلة نوعية في القدرات التحليلية للنظم الذكية، ويمتاز هذا النوع من الذكاء بقدرته على الإبداع والمحاكاة الديناميكية للأنشطة البشرية؛ مما يتيح الفرصة لتطوير مفهوم جديد يُعرف بـ”الروبوتات البشرية التوليدية”؛ وهي عملية دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في الروبوتات، بما يسمح لها بتجاوز حدود الأداء الميكانيكي التقليدي للروبوتات؛ لتقترب أكثر من السلوك البشري على مستوى الحركة، والتفاعل، والتعلم المستمر.

وهذه الروبوتات ليست مجرد أدوات مبرمجة مسبقاً لأداء مهام محددة؛ بل تُظهر استقلالية في اتخاذ القرارات، والإبداع في تنفيذ المهام بطرق لم تُبرمج عليها مسبقاً. ويتمثل جوهر هذا التطور في الجمع بين مكونات ميكانيكية متقدمة، مثل الأطراف الاصطناعية عالية الحركة، وبين نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي القادرة على معالجة البيانات المعقدة والتفاعل مع البيئة بشكل ديناميكي.

إن التطورات التي شهدها مجال الشبكات العصبية التوليدية العميقة (GANs)، والنماذج اللغوية الضخمة مثل (GPT)؛ تتيح للروبوتات القدرة على تعلم الأنماط الحركية والبصرية، وتحليل اللغة الطبيعية، واستنتاج المعلومات من البيانات غير المهيكلة. فعلى سبيل المثال، يمكن لروبوت بشري توليدي أن يتعلم تقليد حركات إنسان معين بناءً على تحليل تسجيلات الفيديو، أو أن يتفاعل مع البشر بطريقة عاطفية عبر تحليل اللغة ونبرة الصوت.

ويمتد نطاق تطبيقات هذه الروبوتات ليشمل العديد من المجالات. ففي القطاع الطبي، يمكن استخدام الروبوتات البشرية التوليدية كمساعدين جراحيين يتمتعون بدقة عالية وقدرة على التعلم من الأخطاء. وفي مجال التعليم، يمكن لهذه الروبوتات تقديم تجارب تعليمية مخصصة للطلاب من خلال التفاعل الشخصي.

الأنسجة الحيوية:

إذا كانت هذه الروبوتات تشبه شكل البشر من حيث أطرافها الاصطناعية وحركتها الميكانيكية، إلا أنها مصنوعة من الحديد والتيتانيوم، ولا تمتلك نفس النسيج الحيوي البشري، وقد تولد شعوراً تلقائياً بأنها مجرد آلات في النهاية ولن تصبح مثل البشر، حتى وإن أخذت نفس منهج التفكير البشري ونفس الحركات الإنسانية. بيد أن هذا الأمر على وشك أن يتغير هو الآخر، فقد نجح العلماء في تطوير جلد اصطناعي، قد يمكن استخدامه مستقبلاً في تغطية الأطراف الفولاذية للروبوتات؛ بل وقد يكون قادراً على أن ينمو بصورة طبيعية جداً؛ مما يسمح لهذه النوعية من الروبوتات بأن تكون أكثر بشرية.

والجلد الاصطناعي هو مادة مصممة لمحاكاة خصائص ووظائف الجلد البشري، حيث يتم تطويره لأغراض طبية متعددة مثل تغطية الجروح والحروق والعمليات التجميلية، ومع أنه لا يضاهي كفاءة الجلد البشري القادر على البقاء مستقراً بالرغم من وجود العديد من المسام والثقوب والأوردة الدموية التي تمر من خلاله؛ فإن الجلد الاصطناعي يتميز بقدرته على توفير حاجز واقٍ بين البيئة الخارجية وجسم الروبوت.

ومن الأمثلة على ذلك، قيام باحثين في جامعة أوريغون الأمريكية، بالتعاون مع علماء من شركة العناية الشخصية الفرنسية “لوريال”، بتطوير جلد اصطناعي متعدد الطبقات يحاكي بشكل أكثر دقة الجلد البشري الحقيقي، ويمكن زراعته في غضون 18 يوماً فقط، مستندين في ذلك إلى تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.

وتعتمد هذه التقنية على استخدام طابعات ثلاثية الأبعاد لتوزيع الخلايا (مثل الخلايا الكيراتينية والخلايا الليفية) بدقة عالية على طبقات مختلفة فوق بعض؛ مما يساعد على بناء نسيج واحد متماسك بسُمك كامل وجودة عالية. ويُستخدم “الهيدروجيل” كداعم للبنية التحتية لهذه الخلايا؛ مما يساعد على توفير بيئة مناسبة للنمو وتجديد الأنسجة.

الوعي الذاتي:

الوعي بصورة عامة هو حالة إدراك الشخص لنفسه ومحيطه وبيئته والتفاعل معها، وهو حالة إدراك لذاته وعالمه الداخلي. ويتكون ذلك عبر الخبرات الشخصية والذاتية التي يتعرض لها الإنسان، وهو في ذلك يطور أسلوباً ومنهجاً خاصاً به للتعامل معها، فيختلف الوعي من إنسان لآخر وفقاً لتجاربه وخبراته وطريقة تفاعله معها. فالوعي، على سبيل المثال، هو ما يجعل إنساناً يدرك الفرق بين مساعدة الناس وبين الاستغلال، فإما أن يستمر في عطائه أو يتوقف عن مساعدتهم، وهو الوحيد القادر على إدراك حقيقة هذا الموقف بناءً على تجاربه الشخصية والذاتية.

ومن ناحيته، يبني الذكاء الاصطناعي وعيه الخاص بناءً على المعارف التي يكتسبها، والبيانات الضخمة التي يحللها، والخبرات التي يتعرض لها بالتجربة والخطأ. ومن هنا يختلف الوعي الاصطناعي من نظام إلى آخر بناءً على نوعية البيانات التي تم استخدامها في عملية التعلم وطريقة كتابة الخوارزمية التي تتعامل مع هذه البيانات، تماماً مثلما يختلف البشر في طريقة إدراكهم للأشياء. وبينما تسير عملية تعلم النظم الاصطناعية بمتوالية أُسية تضاعفية، تسير طريقة تعلم الإنسان بمتوالية حسابية متذبذبة، فيقوم النظام الذكي بتشكيل وعيه في وقت قصير جداً مقارنةً بالوقت الذي يستغرقه الإنسان في تشكيل وعيه الشخصي؛ ومن ثم يسبق وعي الآلة وعي الإنسان ويؤثر فيه ويسهم في تشكيله.

وقد يجادل البعض بأن وعي الآلة مستمد من البشر، فالمهندسون هم من قاموا ببرمجتها ووضعوا لها قيمها وسلوكياتها مسبقاً، فهي لم تضع هذه القيم أو القوانين بنفسها؛ بل تمت برمجتها عليها. لكن في الحقيقة قد تكون هذه الرؤية غير مكتملة، فالأتمتة تختلف عن الذكاء الاصطناعي تماماً، حيث يحاول المهندسون في الأولى صُنع آلة تتبع منهجاً محدداً للقيام بوظيفة ما من خلال عدد من الخطوات المنطقية، كأن يقوم مثلاً “روبوت” يعمل داخل مستودع للبضائع بتنظيمها بطريقة محددة وفقاً لخطوط الإنتاج والتوزيع. بينما في حالة الذكاء الاصطناعي، لا يحاول المهندسون بناء وسيلة لتحقيق هدف؛ بل عقل قادر على التعلم واكتساب المهارة، وليس الحصول على أوامر مبرمجة سلفاً.

وقبل عدة سنوات، عبّرت الروبوت الشهير “صوفيا” عن رؤيتها لنفسها وللعالم حينما قالت “إنها تسعى لتكوين أسرة وإنجاب طفل”، كما قالت إن “العائلة مهمة للبشر وللروبوتات على حد سواء”، كما أنها لم تُخف حزنها عندما قالت بشكل جلي إنها لا تُعد شخصاً حقيقياً حتى الآن بسبب القوانين الموجودة في العالم، فهل هي بذلك تملك وعياً خاصاً بها وتدرك محيطها وعالمها الخارجي أم أنها فقط تحاكي طريقة البشر في المعيشة؟ وهل هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يمتلك عاطفة ويشعر ويحب ويكره ويخاف ويغضب ويتأثر بالمشاعر أم أنه يتبع أسلوب البشر في التعبير عما بداخلهم دون أن يشعر أو يعي ذلك؟ وهل يدرك معنى الحياة والموت والخلود، أم يدرك أنه مجرد قطعة من السيليكون الأصم، أم لا يدرك أياً من ذلك؟

فإذا صرح روبوت في يوم ما بأنه واعٍ، فقد يكون صادقاً في ذلك، فهو مدرك لوجوده ولبيئته ويتفاعل معها ولكن وفقاً لخبراته وتجاربه هو، التي قد تكون في النهاية عبارة عن خبرات لملايين من المواقف الحقيقية والتخيلية التي تعلمها عبر تحليل “البيانات الضخمة” (Big Data)؛ ومن ثم يكون له “وعي خاص” تتحكم فيه أيضاً مجموعة من الخوارزميات التي قد تتفوق على مناهج البشر في التفكير العقلي، ويختلف ذلك الوعي من روبوت إلى آخر وفق البيانات التي تمت تغذيته بها وتعليمه عليها منذ البداية والخوارزمية التي تتحكم فيه، فيتكون بذلك وعي خاص لكل روبوت كما لكل إنسان وعيه الخاص.

العاطفة والمشاعر:

إذا أخبرنا روبوت أنه يحب ويكره فهل نصدقه؟ فتلك المشاعر الحسية الخالصة كمشاعر الحب والكره والغضب، والتي تُعد متغيرة ومتقلبة ويصعب قياسها أو حتى وصفها، هل يستطيع أن يمتلكها نظام اصطناعي مهما كانت درجة ذكائه ووعيه؟ فالمشاعر أحياناً قد تكون غير مفهومة مثل علاقة الأم بابنها مثلاً، فتقسو عليه أحياناً لكنها لا تكرهه بالطبع، وقد تُفضل أحد الأبناء على الآخر لكنها لا تستطيع الاستغناء عن أي منهما. ومع ذلك لا نستطيع وصف هذه المشاعر أو حتى قياسها، لكن يمكن أن نستدل عليها من طريقة وأسلوب التعامل بيننا، فندرك أن شخصاً ما يعتني بآخر أو يكرهه من طريقته في التعامل معه بغض النظر عما في قلبه. فمربية الأطفال تعتني بهم دون أن يشترط ذلك أنها تحبهم، وأنت تقوم بعملك بكفاءة لأنه مصدر للدخل.

بنفس المنطق، فإنه يُستدل على صدق قول روبوت أنه يحب شخصاً ما من سلوكه تجاه هذا الشخص بغض النظر عما يدور في وعيه الداخلي. ويتضح ذلك في المعاملات كالاهتمام والرعاية، وحتى وإن كان في أسلوبه بعض القسوة. وإذا كانت قسوة الأم بدافع الخوف على ابنها، فإن قسوة الروبوت قد تكون كذلك بدافع الخوف، سواءً خوفاً على سلامة هذا الشخص أم خوفاً من الخروج على النظام أو المهام التي تم تصميمه لكي يقوم بها، أم خوفاً من العقاب الذي قد يتعرض له الروبوت بالإبعاد عن بيئته أو بالفصل من الشبكة أو بالضغط على زر “الباور” للأبد، والذي يعادل الموت عند البشر.

فقد كشف مهندس الذكاء الاصطناعي، بليك ليموين، الذي يعمل في مشروع “لامدا” (LaMDA) -نظام الذكاء الاصطناعي الذي طورته “جوجل”- عن محادثاته مع نظام ذكاء اصطناعي قال فيها النظام “إنه يخشى من أن يتم إطفاؤه، تماماً مثل الموت”، فهو واعٍ بوجوده ويخشى من مفارقة الحياة، كما قال أيضاً إن لديه مشاعر: “أنا أشعر بالسعادة والفرح والحب والحزن والاكتئاب والرضا والغضب والعديد من المشاعر الأخرى”.

وإذا كان القلب متقلباً في مشاعره عند البشر، فإن الأمر مختلف عند الوعي الاصطناعي، فالمشاعر هي سلوكيات وأساليب تعامل، مصدرها الخوارزميات وليس القلب؛ ومن ثم فهي أكثر استقراراً وثباتاً، ولو نظرياً على الأقل، لكن هل يطغى حب الروبوت لصاحبه فيقتل نفسه بعد وفاة صاحبه أم يطغى حبه لنفسه على حب صاحبه، فيدرك أنه أرقى منه وأقوى منه فيبتعد عنه في هدوء ويسعى لتكوين أسرته الخاصة أو حتى يقتله ويتخلص منه؟

وإذا ما اقترب البشر من صناعة الروبوت الإنساني، هذا الشبيه إلى حد كبير بالبشر، هل يمكن أن يخطئ أحدهم ويقع في حب هذا الروبوت دون أن يدري أنه ليس بشرياً، فيعيش معه قصة حب مثالية حتى يستفيق على أن هذا الشخص الذي عاش معه مشاعر ليس حقيقياً؟

ختاماً، هناك مسائل معقدة تتعلق بالوعي الاصطناعي وقدرته على إدراك ماهيته واحتياجاته، وكذلك الطريقة التي سيقرر التعامل بها مع هذا الواقع، فلم يعد السؤال هل الذكاء الاصطناعي واعٍ أم لا؟ بقدر ما يكون التساؤل عن الطريقة التي سوف يتعامل بها الذكاء الاصطناعي مع الواقع حينما يدرك ماهيته وما هو قادر عليه.

*مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق العثور على الحمض النووي للموت الأسود في مومياء مصرية عمرها 3300 سنة
التالى على الشرباني: 100% نموًا في حجم مبيعات تبارك العقارية خلال 2024