سقوط النظام السوري ليس بالحدث العابر، ولكنه نقطة فاصلة لصورة المنطقة العربية في المرحلة المقبلة، وبالرغم من رسائل الاطمئنان التي ترسلها هيئة تحرير الشام إلا أن النار دائما تختفي تحت الرماد.
تاريخ الهيئة الدموي، والطريقة التي اجتاحت بها حلب وحمص ودمشق بمساعدة أجهزة وأنظمة أجنبية، تعني أن وراء الأكمة ما وراءها، والبارز في السيناريو القادم هو التقسيم، وأن نرى أكثر من سوريا على الخريطة، وعند تنفيذ ذلك سوف يقدم رجال التسويق السياسي دعايتهم تحت مبررات لها علاقة بحماية حقوق الإنسان ولن يعجزوا عن إيجاد مبررات قانونية لتضليل الناس والفوز بكعكة التقسيم كخدمة كبرى لإسرائيل ومن وراء إسرائيل.
لذلك يأتي اجتماع لجنة الاتصال الوزارية التابعة لجامعة الدول العربية بشأن سوريا في مدينة العقبة كحدث مهم، ليدق أجراس الخطر ويصدر بيانه الذي يمكن اعتباره وثيقة مهمة لا بد من التعامل معها بالجدية المطلوبة.
ما شهدته العقبة لم يكن اجتماعاً واحداً للجنة الاتصال بالجامعة العربية، ولكنهما اجتماعان حيث عقدت لجنة الاتصال في اليوم نفسه اجتماعاً مع وزراء خارجية تركيا، والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وممثلين عن المملكة المتحدة وألمانيا، إضافة إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمبعوث الأممي حول سوريا.
وصدر بيان آخر عن هذا الاجتماع.. إذن نحن بصدد اجتماعين وبيانين، لم يختلفا في مضمونهما وكان الأساسي هو التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية في سوريا واحترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، وكذلك توضيح أن المرحلة الحالية تستوجب حوارا وطنيا شاملا وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية، إضافة إلى دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.
إلى هنا والكلام جميل ويمكن التعامل معه ولكن الخوف الكبير يكمن في ذاكرة المتابع الذي لا ينسى أن أصحاب السلطة الآن في سوريا هم إرهابيون متأسلمون، وأنهم وصلوا إلى دمشق عن طريق طويل مرصوف بالدم ومدعوم بأجندات أجنبية على رأسها الأجندة التركية، لذلك نتوقف أمام مطالبة المجتمعين في العقبة بـ"ضرورة مكافحة الإرهاب والتطرف، بما يمنع عودة ظهور الجماعات الإرهابية، بحيث لا تشكل الأراضي السورية تهديداً لأي دولة أو مأوى للإرهابيين"، وهو مطلب أساسى لا خلاف عليه لكن العقل يتوقف هنا قليلاً متسائلاً السؤال التاريخي، هل نجني من الشوك عنباً؟ إذا كانت السلطة الحالية إرهابية كيف لها أن تمنع عودة الجماعات الإرهابية؟
وإذا تجاوزنا هذه النقطة نجد فخاً آخر وهو الجماعات الكردية في سوريا، حيث ترى تركيا أن الأكراد في سوريا هم أعداؤها بينما ترى إسرائيل أنه لا أصدقاء لها في المنطقة سوى الأكراد.. هذا الفخ يكشف الصعوبة في مطالبة المجتمعين في العقبة لجميع الأطراف بوقف الأعمال العدائية في سوريا، واحترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، لأن الورقة الكردية ستظل على الطاولة بدون معالجة طالما يتربص بها الجانبان التركي والإسرائيلي.
على كل حال، التوصيات التي جاءت بها لقاءات العقبة مهمة من الناحية النظرية ولكنها صعبة على الطبيعة، لذلك تبقى مخاوفنا مشروعة، وتبقى مطالبتنا بتقديم كل العون والإسناد لسوريا وشعبها كواجب مقدس، حتى نرى عملية انتقالية سياسية سلمية ونشهد بأعيننا احترام إرادة الشعب السوري وخياراته، من أجل حماية سورية ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل.