قام برنامج اليونسكو الرائد للحمض النووي البيئي بمسح 4500 نوع بحري تقريبًا في 21 موقعًا للتراث العالمي في العالم، مقدِّمًا بيانات رئيسية جديدة ومنهجية ثورية تعزز حماية المحيطات في عصر يتسم بالاختلال المناخي السريع.
وأحدث برنامج اليونسكو ثورة في طريقة مراقبة الحياة البحرية ورصدها، ففي الوقت الذي يتدهور فيه التنوع البيولوجي بوتيرة مثيرة للقلق، يقدِّم هذا البرنامج فرصًا جديدة لفهم أفضل للنظم الإيكولوجية الحرجة في 18000 محمية بحرية في العالم وحمايتها بطريقة أفضل.
وأتاحت اليونسكو حرية الانتفاع بهذه التكنولوجيا بما يتماشى مع توصيتها بشأن العلم المفتوح، وهي تدعو دولها الأعضاء إلى دعم المجتمع العلمي من أجل استخدامها على نطاق واسع.
ويرغم الاختلال المناخي، بما فيه احترار المحيطات، الأنواع البحرية على الابتعاد عن موائلها الطبيعية مما يولِّد حاجة ملحة إلى فهم توزعها ورصده على نحو أفضل.
وأعدت اليونسكو منهجية موحدة جديدة لأخذ عينات الحمض النووي البيئي من أجل إجراء مسح للحياة البحرية، حسب بيان للمنظمة.
وقام خبراء في مجال البحار وعلماء محليون خلال السنوات الثلاث الماضية بأخذ 500 عينة من 21 موقعًا محميًا بموجب اتفاقية التراث العالمي لليونسكو، واكتشفوا وجود 4500 نوع بحري تقريبًا، وهو عدد ضخم كان ليأخذ سنوات عديدة في السابق من العمل الاستقصائي وكان ليكلف ملايين الدولارات، وكان نصف الأنواع المحددة تقريبًا من الأسماك، وتضمن أيضًا 86 نوعًا من أسماك القرش، و28 نوعًا من الثدييات و3 أنواع من السلاحف البحرية.
وكان من بين الأنواع التي توصَّلت إليها النتائج 120 نوعًا مدرجًا في القائمة الحمراء للأنواع المهددة الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة كأنواع معرضة لخطر الانقراض أو مهددة بالانقراض أو مهددة بشدة بالانقراض.
وتوصَّلت الدراسة أيضًا إلى أنَّ هذه الأنواع سوف تواجه قريبًا درجات حرارة تتجاوز الحدود المعروفة التي يمكنها أن تتحملها، وبناء على هذا السيناريو المستقبلي الذي قد تصل فيه درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها، قد يواجه ما يصل إلى 100% من الأسماك في المواقع المدارية ودون المدارية خطر تجاوز حدودها الحرارية الطبيعية، وهو ما يعرضها لخطر الانقراض، مقابل نسبة تتراوح من 10 إلى 50٪ من الأسماك التي قد تتجاوز الحدود المعروفة في المحيطات المعتدلة.
ويُعتبر برنامج اليونسكو للحمض النووي البيئي أول تطبيق ممنهج لأخذ عينات الحمض النووي البيئي بغية مراقبة وضع الأنواع البحرية في أهم مواقع التنوع البيولوجي على مستوى العالم.
وتتيح تقنيات الحمض النووي البيئي، من خلال عينة ماء واحدة بحجم 1.5 لتر، الكشف عن آثار جينية لما يقرب من 100 نوع بحري في المتوسط.
وتُعتبر هذه التقنيات معقولة التكلفة وسريعة التطبيق، وهو ما يقلص زمن جمع البيانات من سنوات طويلة إلى بضعة أشهر فقط، ويمكن للمجتمعات المحلية التعاون مع العلماء للنهوض بالمعارف نظرًا إلى سهولة هذه العملية.
وشارك أكثر من 250 طالبا مدرسيا، بعضهم لم يتجاوز السادسة من العمر، في إحدى الرحلات الميدانية التي نظمتها اليونسكو لجمع العينات، وتُبرز النتائج قوة هذه الطريقة كوسيلة قادرة على إحداث تحول وتغيير في جهود حفظ المحيطات.
وتُرفَع جميع البيانات الناتجة عن مبادرة الحمض النووي البيئي بانتظام على نظام معلومات اليونسكو الخاص بالتنوع البيولوجي للمحيطات، وهو عبارة عن منصة عالمية متاحة للجميع، وتضمن إتاحة معلومات مجانية وقابلة للمقارنة والتشغيل المتبادل لمساعدة الباحثين وصناع القرار في العالم أجمع.
وتقوم مبادرة اليونسكو على مزيج من التكنولوجيا المتطورة، من جهة، ومشاركة المواطنين، من جهة أخرى، وهو ما يجعل منها نموذجًا قابلًا للتطور ويمكن تعميمه في أكثر من 18،000 منطقة من المناطق البحرية التي تحظى بالحماية بالفعل، فضلًا عن المناطق الجديدة التي ستُنشأ، لمواجهة التحديات العاجلة التي تواجه المحيطات اليوم.
وستُسهم البيانات التي تُجمع في دعم اتخاذ القرارات المستندة إلى الأدلة العلمية، وهو ما يساعد الدول الأعضاء في تخطيط وإدارة المناطق البحرية المحمية على نحو أفضل للتكيف مع آثار تغير المناخ.