في الوقت الذي باتت فيه معظم دول العالم تتجه نحو تبني سياسات براغماتية في تدبير علاقاتها الدولية، قائمة على المصالح المشتركة والشراكات الاستراتيجية، تصر دول قليلة، منها فنزويلا، على التمسك بمواقف إيديولوجية متصلبة ومتجاوزة، من خلال دعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية. هذا الدعم يضعها في معزل عن السياقين الإقليمي والدولي، حيث تتبنى أغلب دول أمريكا اللاتينية توجهات أكثر واقعية من خلال ميلها نحو تعزيز شراكاتها مع المغرب ودعم قضاياه الوطنية.
في هذا الإطار، بعثت الخارجية الفنزويلية رسالة إلى قيادة الجبهة في تندوف، بمناسبة مرور أكثر من أربعة عقود على “العلاقات الدبلوماسية” بين الجانبين؛ أكدت من خلالها أن كاراكاس ستعمل على مواصلة تعميق العلاقات مع البوليساريو، مشيرة أيضا إلى أن فنزويلا “عازمة اليوم أكثر من أي وقت مضى على مواصلة الدفاع عن القضية الصحراوية”، حسب تعبير الرسالة التي نقلتها ما تسمى بـ”وكالة الأنباء الصحراوية”.
وسجل مهتمون أن هذا الموقف الفنزويلي يظل “موقفا رمزيا” بالنظر إلى العزلة السياسية والدبلوماسية والأزمات الاقتصادية التي تواجهها كاراكاس. كما يكشف هذا الموقف عن قصور صناع القرار في هذا البلد اللاتيني في قراءة التحولات الجيوسياسية العالمية، التي دفعت العديد من الدول في أمريكا اللاتينية إلى إعادة تحيين سياستها الخارجية وتكييفها مع المنطق الجديد الذي تدار به العلاقات الدولية، من خلال دعمها لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتخليها عن المواقف العقيمة التي تبنتها طيلة سنوات.
خارج السياق
قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إن “التركيب المنطقي بين مجموعة من المعطيات المتعلقة بقضية الصحراء المغربية، والتي سجلتها الدبلوماسية المغربية أخيرا، يمكن معه القول إن هذه الرسالة التي بعث بها رئيس دولة فنزويلا إلى البوليساريو تدخل ضمن بقايا الارتباطات الإيديولوجية ذات المرجعيات الثورية التي تربط بين بعض الدول وجبهة البوليساريو، والتي ترجع جذورها إلى تاريخ الثنائية القطبية في العلاقات الدولية”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “هذه الرسالة تؤكد أن فنزويلا والبوليساريو خارج منطق العلاقات الدولية العصرية، في وقت يعتمد فيه منهج الدبلوماسية المغربية على منطق العلاقات الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية واللجان الثنائية المشتركة بين البلدان التي تعمل بشكل دائم على تتبع الملفات المشتركة وإيجاد الإطار التشريعي لتفعيلها والعمل على آليات تنزيلها على أرض الواقع”.
وأكد أن “منطق الدبلوماسية العصرية هذا هو الذي أدى إلى محاصرة جبهة “لبوليساريو من جهة، حيث سحبت مجموعة من الدول اعترافها بها في السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى محاصرة فنزويلا نفسها، حيث بدأت تغرد خارج سرب دول أمريكا اللاتينية التي بدأت تنظر إلى مستقبل علاقاتها الخارجية بمنطق رابح-رابح، والذي يقربها إلى الصف المغربي والاعتراف بسيادته على الصحراء، كان آخرها الإكوادور وبنما”، معتبرا أن البوليساريو “تستند الآن إلى ترويج أطروحتها الانفصالية فقط على أقل من 28 دولة في العالم، ستظل فنزويلا من بينها، مستندة في ذلك إلى نظامها السياسي الذي لا يزال يعيش على أوهام تصدير الثورة”.
موازين القوى
يرى جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “الرسالة التي أرسلتها فنزويلا إلى البوليساريو ولو أنها تعبير صريح عن التضامن بين فنزويلا والبوليساريو، فإنها تبقى تضامنا رمزيا أكثر منه دعما فعليا يمكن أن يغير أو يؤثر في موازين القوى في نزاع الصحراء، والتي يتضح يوما بعد يوم أن كفة المغرب فيها هي الأقوى”.
وأضاف القسمي أن “هذه الرسالة في الحقيقة تثير تساؤلات حول طبيعة الدعم الذي يمكن لفنزويلا تقديمه للانفصاليين، ومدى فعالية هذا الدعم في ظل العزلة الدولية التي تعاني منها كل من الجبهة الانفصالية وفنزويلا نفسها؛ زد على ذلك ما تعانيه الأخيرة من تحديات كبيرة على المستويين الاقتصادي والسياسي، وافتقارها إلى الوزن السياسي والاقتصادي اللازم للتأثير على مواقف الدول الأخرى في نزاع الصحراء المفتعل”.
وتابع قائلا: “صحيح أن أكبر داعمي الطرح الانفصالي كانوا من أمريكا اللاتينية في وقت معين بسبب التقارب الإيديولوجي والمد الاشتراكي في ظل الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي سابقا، إلا أن توجه المغرب بسياسة براغماتية وربطه لعلاقات متينة وقوية مع الكثير من دول القارة اللاتينية والمجاورة لفنزويلا لا شك أنه سيضيق هامش الحركة ويحد من تأثير فنزويلا على الموقف الإقليمي”.
وخلص المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “الجبهة الانفصالية ترى في موقف فنزويلا فرصة للاستغلال السياسي والترويج الإعلامي، في ظل عدم وجود بدائل وخيارات أخرى. كما ترى أن من شأنه أن يعزز موقفها ولو بشكل رمزي، على الرغم من محدوديته”.