التنظيمات الإسلاموية تتمرد على الهوية الوطنية.. وتشن حملات دائمة على الماضى بكل تفاصيله
كل تنظيمات الإسلام السياسى لديها مشكلة فى الآثار، سواء فى المعنى الخاص بها أو المبنى التى تظهر عليه؛ لأن هذه التنظيمات لم تقرأ آيات الله فى الكون، ولم تُدرك حقيقة الأثر وأهميته التى طالبنا الله بتدبرها، فالآثار ليست مجرد حجارة، لكنها دليل على صنع الله فى البشر.
ولا يستطيع الإنسان أنّ يعيش حاضره ولا أنّ يصنع مستقبله إلا بماضيه، والأثر باختصار شديد هو ما يُمثل هذا الماضي، وهو فى نفس الوقت من يصنع المستقبل، ولذلك نجد أغلب آيات الله تدعو إلى النظر إلى الماضى وتدبره وتعلمه، وغالبًا ما يكون ذلك عبر الآثار التى يخلفها لنا الأقدمون.
وهذا يبدو واضحًا فى العديد من الآيات الصريحة، ومنها على سبيل المثال ما جاء فى سورة الحديد، قوله تعالى: "ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ"، وهو ما يُعنى أنّ الأثر مهم للمستقبل، فلا مستقبل للنّاس بدون تدبره، فالآثر قد لا يكون حسيًا، وهذا يبدو مهمًا فى التدبر.
كما جاء فى سورة الروم، "فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا. إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِى الْمَوْتَىٰ. وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، ثم جاء فى سورة غافر، "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ. كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِى الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ".
صحيح بعض الآيات الكريمات تتحدث عن الأثر بمعناه وليس بمبناه، ولكن الآيات الكريمات لم تخل من الدعوة إلى الاتعاظ بالأثر والمطالبة بالحفاظ عليه، فهو بمثابة الضرورة الدينية التى لا يمكن التخلى عنها، بل يدعونا الدين إلى الاحتفاظ بها.
فهم المتطرفون أنّ المسلمين حديثو عهد بالإسلام، وبالتالى وجود الآثار قد يدفعهم لعبادتها، وفى هذا نوع من الجهل مخلوطٌ بالوصاية التى يفرضها هؤلاء المتطرفون على عقول النّاس، بدعوى أنّ هذا جائز دينيًا وأنّ هذا غير جائز.
المتطرفون لا يتعظون ولا يُريدون لغيرهم أنّ يتدبروا فى خلق الله، ولذلك لا يرون أهمية للماضى بهذا الأثر، لذلك تجد أغلبهم يكرهون كل ما يذكرهم بهذا الماضى أو كل ما يدعوهم للتدبر والتأمل، فضلًا عن الفهم غير الصحيح للدين.
فبدءًا من حركة طالبان وانتهاءً بتنظيم داعش ومرورًا بتنظيم الإخوان المسلمين والتنظيمات ذات الخلفية السلفية المنحرفة.. كل هؤلاء يعتبرون الآثار مرادفًا للكفر، عندما يُساوون بين الأثر والصنم الذى كان يُعبد من دون الله.
هؤلاء المتطرفين لا يُكفرون الأثر، بل يُكفرون كل من يدعو للحفاظ عليه، ولا يهتمون به، ولا يُرون أهمية فى دراسة التاريخ ولا الآثار، بل يُجرمون فكرة الاعتناء بالأثر، ومن هنا قاموا بتكسير هذه الآثار لأنها مصدر فتنة المسلمين، ولأنها كانت تُعبد من دون الله، وأنها قد تُعبد مرة أخرى!
ولعل هذا يُفسر حملة التنظيمات الإسلاموية الأكثر تطرفًا على الآثار عندما تُسيطر على بقعة جغرافية ما، فإنها تقوم إما بهدمها أو التخلص منها وغلق المتاحف التاريخية التى يتم الاحتفاظ فيها بهذه الآثار، بل يقضون على كل ما يدعو لتذكر الماضى أو حتى الإيمان به، بخلاف ما يُدعو الله له.
هوية الوطن دائمًا يُعبر عنها الأثر، بل يحفظها فى ذاكرته؛ وهذه التنظيمات تتمرد على الهوية الوطنية، فى الحقيقية هى تُريد أنّ تستبدل ثقافة الشعوب بما تفهمه هى عن الدين، حيث تختصر هذا الدين فى القتل وإسالة الدماء وكراهية الماضي.
هؤلاء يكرهون الحاضر ويُكرهون النّاس على المستقبل، كما أنهم يُخاصمون الماضى بكل ما فيه، ولذلك لا تجدهم يحترمون أثرًا ولا يُحافظون عليه، بل يشنون حملات دائمة على الماضى بكل تفاصيله.
لابد من مواجهة هذه التنظيمات بمزيد من الاحتفاظ بالهوية من خلال الإحتفاظ بالآثار وعدم التخلى عنها، بل لابد من الإدراك بأهميتها سواء على مستوى الشرعى أو الوطني، وإنّ كنت أرى ألا خلاف بينهما.