“الجنوب هو جمع متعدد، وتعددي”، هكذا افتتح عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، مداخلته خلال جلسة نقاش عامة ضمن فعاليات مؤتمر “الحوارات الأطلسية”، المستمر في ثاني أيامه بالرباط، شارحا فكرته بالقول: “فهو يشمل الاقتصادات الناشئة والجزر وكذا الدول التي تناضل من أجل البقاء. إنه جنوب متعدد يضم 85% من سكان العالم ونحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنه قوة سياسية لكنه يحتاج إلى الوحدة”.
وأضاف سفير المملكة المغربية ممثلها الدائم بالأمم المتحدة، اليوم الجمعة متحدثا ضمن “الجلسة العامة الثالثة حول موضوع: الجنوب ومستقبل تعددية الأطراف”، أن “الجنوب يسعى إلى المزيد من الإنصاف، والمزيد من الاندماج الشامل، وكذا المزيد من المشاركة على قدم المساواة، سواء في مجلس الأمن أو المؤسسات المالية الدولية أو على المستوى الإقليمي”.
جاء هذا بعدما استهلت مسيرة النقاش كيمبرلي دوزير، محللة الشؤون العالمية في “سي إن إن”، الجلسة بطرح سؤال كاشف عن موضوعها، قائلة إن “معظم شباب اليوم قد لا يعرفون معنى الجنوب رغم أنهم يسمعون يوميا كلمات من قبيل بريكس والناتو؛ فماذا تعني كلمة جنوبي (Southfulness) في الواقع؟”، قبل أن يرد هلال مجيبا: “في الشمال، أعتقد أن هناك خوفا من أن الجنوب يتصرف بطريقة ما ليحل محل الشمال أو يصبح أكثر نفوذا”.
الجنوب والديمقراطية
بالتدقيق في “مصطلح الجنوب”، أورد جاك أطالي، كاتب فرنسي خبير في علم المستقبليات، أن “ما تبقى من هذا المصطلح في تفكيرنا هو الدول المستعمرة السابقة من زمن حركة عدم الانحياز… إنه مفهوم ليس بجديد اليوم”، شارحا: “هناك عدة جنوب مختلفة جدا (Il y a des Suds très différents)، مع وجود نخب واسعة جدا تأتي من الجنوب والشمال على حد سواء”.
وأضاف أطالي أن “التمييز الحقيقي اليوم هو بين البلدان الديمقراطية والبلدان الشمولية، مع وجود منطقة رمادية في الوسط”، وفق توصيفه.
وفي تقدير الخبير الفرنسي، فـ”الاستبداد كارثة على البشرية. وحتى لو قال الناس اليوم إن الاستبداد أفضل للبيئة ولاتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية (أو غير شعبية)، فإنني لا أعتقد أن هذا صحيح. الديمقراطية هي أسوأ الأنظمة ولكنها أفضلها”.
كما تناولت الكلمة الوزيرة السابقة للشؤون الخارجية الإسبانية، آنا بالاسيو، مدلية بوجهة نظرها في الموضوع. وقالت بنبرة تأكيد: “الانقسام اليوم هو بين الديمقراطية والأوتوقراطية، لكن هناك منطقة رمادية كبيرة بينهما”.
وتابعت: “هذه المنطقة الرمادية ساحقة. فمن ناحية، لدينا ديمقراطيات ليبرالية تشدد على الفرد. ومن ناحية أخرى، ثقافات ضاربة في التاريخ وعريقة، مثل الصين”.
“شباب الجنوب”
سلطت إيريكا موينز، وزيرة الخارجية السابقة في بنما، الضوء على أن “الشباب في سن العشرين يشعرون بقلق عميق إزاء عدم المساواة في الأنظمة العالمية الحالية ويهتمون أكثر بالأفكار الإيجابية والمزعزعة مثل صعود الجنوب وبرزوه كقوة جديدة ناشئة”.
وقالت موينز: “بدلا من التركيز على التسميات أو نقاش المصطلحات، يجب أن ينصب التركيز على إنشاء أنظمة عادلة وتعزيز الروابط بين الأجيال الشابة عبر المناطق، خاصة من خلال التعاون العابر للأطلسي على صعيد أفقي جنوب-جنوب”.
وإجمالا، تمحور النقاش، الذي تابعته هسبريس، بين المتحدثين الأربعة خلال هذه الجلسة حول أسئلة مؤطرة كبرى، هي: “كيف يمكن للجنوب أن يحصل بشكل ملموس على دور أكبر في الحكامة العالمية؟” و”كيف تؤخذ مصالح الجنوب في الاعتبار في محاولات الإصلاح الأخيرة للإصلاح العالمي (على سبيل المثال، مؤتمر الأطراف، ومنظمة الصحة العالمية، وما إلى ذلك)؟”.
كما حاولت الجلسة البحث عن إجابة لسؤال “ما الذي يعنيه تعزيز دور الجنوب في الحوكمة العالمية؟” وكيفية “تعزيز التنسيق والتعاون فيما بين بلدان الجنوب؟ ولأجل أية نتائج؟”.
يشار إلى أن هذه الدورة الجديدة من “الحوارات الأطلسية 2024” تعالج بالتحليل والنقاش المعمق، مصفوفة من القضايا الاقتصادية والجيو-سياسية التي تعكس التغيرات التي يعرفها الأطلسي الموسع والطامح نحو تكامل أكبر، متوسلة في ذلك حلقات نقاش وموائد مستديرة وغيرها من الفعاليات.
من بين المواضيع المطروحة للنقاش، يبرز “نموذج الأمن الإقليمي”، و”البنيات التحتية الذكية”، و”تنظيم الذكاء الاصطناعي”، وغيرها من القضايا الرئيسية التي تتطلب تنسيقا أفضل بين الشمال والجنوب في سياق أطلسي أوسع نطاقا ومنظورا في عالم قد يزداد تجزؤا.
" frameborder="0">