عادت أسعار الدجاج لتؤرق المستهلك المغربي، خصوصا محدود الدخل، بعدما بلغ الكيلوغرام الواحد بالتقسيط 26 درهما “بعدة مدن بعيدة عن محور القنيطرة- الجديدة”، موازة مع عدم النزول عن 23 درهماً بالمدن المتبقية، وفق تأكيدات مهنيين لهسبريس، ما أثار تساؤلات حول أسباب هذه الارتفاع، في ظلّ “غياب محفزاته المعهودة من قبيل كثرة الأعراس والمناسبات ودينامية السياحة الداخلية وتوافد الجالية، التي غالبا ما تكون حاضرة خلال فصل الصيف”.
مربو دجاج اللحم يعتبرون أن “هذا الثمن على ارتفاعه لا يضمن هامش ربح محترما للفلاحين الصغار خصوصا”، موضحين أن “ارتفاع أسعار الكتكوت والأعلاف المركبة أوصل تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من الدجاج إلى 18 درهما”، وملقين بالاتهام على “الشركات الكبرى للمحاضن التي مازالت تخفّض الإنتاج بغرض رفع الأسعار، وتلك المحتكرة لقطاع الأعلاف التي تأبى خفض الأسعار رغم كون سعر مدخلاتها انخفض على المستوى العالمي”.
ويسجّل حماة المستهلك بدورهم أن “ارتفاع أسعار أعلاف الدواجن رغم انخفاض مدخلاتها عالميا غير مفهوم”، معتبرين أن “الاستمرار في أزمة غلاء الدواجن ما كان ليتم لولا استمرار ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء الذي يضطر المستهلك المغربي للفرار نحو اللحوم البيضاء، ما يرفع الطلب، وتاليا الأسعار”، ومطالبين بـ”تدخل الحكومة لتسقيف أسعار اللحوم الحمراء، استنادا إلى المادة 4 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، ما دامت مازالت مرتفعة رغم الدعم والإعفاءات الضريبية المقدمة”.
المربون يتبرؤون
محمد أعبود، رئيس الجمعية الوطنية لمربي دجاج اللحم، قال إن “الدجاج يباع من الضيعات في الوقت الحالي بما بين 19 و20 درهما للكيلوغرام الواحد، ليصل إلى المستهلك المغربي بثمن 23 درهماً بالمناطق القريبة من الدار البيضاء، فيما يترواح بين 25 و26 درهما بعدة مدن بعيدة عن محور القنيطرة – الجديدة”.
وعدّ أعبود، في تصريح لهسبريس، أن “المستهلك المغربي من حقّه التبرم والاستياء من هذه الأسعار المرتفعة، بل من حقّه أن يلجأ حتى إلى المقاطعة؛ غير أنه يجب لفت الانتباه إلى أن هذه الأسعار لا تلبّي هامشا محترما من الربح للفلاح المغربي، وهو خاسر بالبيع بها؛ فتكلفة الإنتاج تصل إلى 18 درهما للكيلوغرام الواحد؛ هذا إذا كانت الأعلاف جيدة”.
واستبعد المتحدث ذاته أن “يكون ارتفاع الطلب من قبل المستهلك المغربي على الدجاج السبب في ارتفاع الأسعار، ما دامت محفزات هذا الطلب غير متواجدة بقوة كما تكون خلال فترة الصيف مثلا، من قبيل الأعراس والحفلات والمناسبات وارتفاع طلب المطاعم”، مردفا بأن “السبب الوحيد هو غلاء أسعار الكتكوت والأعلاف المركبة”.
كما أوضح أعبود أن “وصول سعر الكتكوت إلى 14 درهما، الذي انعكس، كنتيجة حتمية، على سعر بيع الدجاج، ناتج عن استمرار شركات المحاضن المحتكرة للسوق في التلاعب بالإنتاج وتخفيضه، بغية تخفيض العرض وتثبيت الأسعار التي تريد”، مفيدا بأن “الجمعية سبق أن طالبت في مناظرة مراكش بإعفاء الكتكوت من الرسوم الجمركية، إلا أن الفيدرالية البيمهنية رفضت هذا الأمر، ما وفّر حماية لشركات المحاضن”، وفقه.
وأضاف مربي دجاج اللحم أن “عاملا آخر ساهم في غلاء سعر الدجاج يتمثل في رفع الشركات سعر الأعلاف المركبة، الذي وصل إلى 4,50 درهما للكيلوغرام الواحد، رغم أن أسعار مدخلاتها، أي الذرة والصوجا، انخفضت بما يقرب النصف”، مشيرا إلى “ضعف جودة هذه الأعلاف في كثير من الأحيان، مع العلم أن المربين الصغار لا يتوفرون على أساليب لضبط هذه الجودة، وهناك صعوبات تعترض ذهابهم للمختبرات لقياسها”.
وقال المتحدث عينه: “إن هذا الوضع يضر بالفلاح الصغير كما المستهلك، هذا الأخير الذي يتضرر من جهتين، من فرض غلاء لحم الدجاج عليه، ومن عدم وجود أي أثر على الأسعار رغم الإعفاءات الضريبية لمدخلات الأعلاف التي استفادت منها الشركات خلال السنة المالية 2023، وبلغت تكلفتها مليار درهم”.
تدخل الحكومة
بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أوضح أن “أسعار الدواجن حرة في المغرب، ويحددها العرض والطلب”، مشيرا إلى “وجود علاقة وطيدة بين استهلاك اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء والأسماك، وتحديدا السردين، في المغرب؛ بحيث كلما ارتفعت أسعار لحوم ‘الغنمي’ و’البقري’ يلجأ المستهلك إلى الدجاج والسردين، وبالتالي يرتفع الطلب فترتفع معه أسعار المواد الأخيرة”.
واستحضر الخراطي، في تصريح لهسبريس، “ملاحظات التقرير الأخير لمجلس المنافسة التي أوردت أن 99 في المائة من المواد العلفية مستوردة، ما يجعل ارتفاع أسعار الصوجا والذرة يصحبه ارتفاع أسعار الدواجن بالمغرب”، مستدركا بأنه “منذ سنة 2023 بصمت المواد العلفية على المستوى العالمي على منحى الانخفاض الذي وصلت نسبته إلى 45 في المائة؛ لكن هذا الوضع لم ينعكس على الأسعار التي تباع بها الأعلاف للمربين في السوق الوطنية”.
هذا الوضع، وفق المتحدث عينه، يعني “أن هناك معضلة غير طبيعية على مستوى سوق الأعلاف بالمغرب”، مشيرا إلى أن “عدم خفض هذه الإسعار رغم انخفاض أسعار المواد العلفية عالميا راجع إلى غياب المراقبة”.
وسجّل الخراطي أن “قطاع الدواجن يشكو كثرة الوسطاء الذين يحددون أثمان الاقتناء ويقومون بالتوزيع؛ فيما معلوم أن أسعار الدواجن تحدد في مدينة تمارة منذ سنوات حتى باتت بمثابة البورصة في السوق الوطنية”.
وأبرز رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك أنه “لو كان هناك توازن بين الطلب على اللحوم الحمراء والطلب على اللحوم البيضاء والأسماك لكان هناك انخفاض في أسعار الدجاج”، مردفا: “لذلك يجب على الحكومة أن تساهم في اتخاذ أسعار اللحوم الحمراء منحى الانخفاض”.
كما أورد الخراطي: “بما أن اللحوم الحمراء، خصوصا المستوردة، تستفيد حاليا من الدعم والإعفاءات الضريبية فإن الجامعة تطالب الحكومة بتطبيق المادة 4 من القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، التي تخول لها الحق في التدخل لتسقيف الأسعار لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة؛ في حال وصلت هذه الأثمان إلى مستوى فاحش”، مشددا على أنه “من غير المفهوم بقاء اللحوم الحمراء مرتفعة الأسعار رغم الإجراءات المتخذة”.
وحذّر المتحدث ذاته من أن “المستهلك المغربي الذي لم يعد قادرا على شراء لا اللحوم الحمراء ولا البيضاء قد يصير مضطرا إلى استهلاكها من سوق لآخر كما كان الوضع خلال سنوات الستينيات والسبعينيات”.