أخبار عاجلة

قصة 4 روايات أدبية تعكس أزمة الإسلام السياسي في مصر والعالم العربي

قصة 4 روايات أدبية تعكس أزمة الإسلام السياسي في مصر والعالم العربي
قصة 4 روايات أدبية تعكس أزمة الإسلام السياسي في مصر والعالم العربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تنتمى هذه الروايات الأربع، التى سنقدمها فى السطور المقبلة، إلى أحد فروع علم اجتماع الأدب، وهو فرع لا يختلف كثيرًا عن العلوم السياسية والاجتماعية التى تعتمد على المنهج العلمى الحديث بخطواته المعرفية، بدءًا من تحديد المشكلة وصولًا إلى تناول الشخصيات القريبة من الواقع السوسيولوجى. هذه الروايات تقدم تاريخ الوقائع والأفكار فى إطار روائى محكم الصنعة، بأداء أدبى رفيع المستوى.
الشخصيات فى هذه الروايات ثرية للغاية، ويجب قراءتها فى ضوء التغلغل الاجتماعى لتيارات الإسلام السياسى، التى لم تنته فى الواقع المصرى أو العربى، حيث يعيش المجتمع فى أزمة حقيقية.
بعض الروائيين يعبرون عن الحقيقة من خلال شخصياتهم، بطريقة مشابهة لابن المقفع فى كليلة ودمنة، حيث استخدم الطيور للتعبير عن أفكاره، دراسة هذه الأعمال على أنها مجرد شخصيات أدبية منفصلة عن واقعنا الحياتى هو خطأ كبير. هذه الأعمال ليست مجرد نصوص سردية جمالية، بل هى اشتباك مع الواقع.
تستحق هذه الأعمال القراءة بتمعن، وهذه السطور تنتمى إلى رؤية نقدية لها. كما أن هذه الروايات تستحق معالجة درامية فى المستقبل وإلى التفاصيل:

 

١ «خريف الوهم».. لعلاء سعد حميدة

484.jpg


عكست رواية «خريف الوهم» للكاتب علاء سعد حميدة حالة التيه التى تعيشها بعض الشخصيات المنتمية لعوالم الإسلام السياسى بكل أطيافه الفكرية والثقافية وطبقاته الاجتماعية. تحمل الرواية فى طياتها خطابًا سياسيًا واجتماعيًا يسعى إلى تسليط الضوء على أحداث الثورة المصرية وما تلاها من تحولات سياسية واجتماعية، خاصة ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين وعلاقتها بالقوى السياسية الأخرى. تقدّم الرواية منظورًا نقديًا للأحداث التاريخية التى عاشها الكاتب علاء سعد حميدة، الذى اقترب من الجماعة والتنظيم، وعرف خباياها ودهاليزها لعدة سنوات، قاربت على ربع قرن، حتى بات شاهدًا على بعض أحداثها.
تبدأ الرواية بتصوير مشاهد من الثورة المصرية وما تلاها من أحداث، مثل يوم تنحى الرئيس مبارك وأثر ذلك على المجتمع والشعب المصرى. يعكس هذا الموقف نقدًا للثورات التى لم تحقق الأهداف المرجوة، حيث يتساءل الكاتب عن «أهداف الثورة الحقيقية» و«الإجراءات الواقعية» التى كان يجب اتباعها. يتضح هنا إحباط الكاتب من عدم حدوث تغيير جذرى بعد هذه الأحداث السياسية، أو على الأقل عدم تحقق ما كانت تأمله بعض الشخصيات السياسية والحزبية من هذه الأحداث.
الثورة وخيبة الأمل 
تظهر بوضوح فى الرواية شخصية «عزّة»، التى ربما يرمز اسمها إلى العزة أو الكبرياء أن الأمانى عزيزة المنال، تعبر هذه الشخصية عن خيبة أمل المجتمع تجاه الأحلام الكبيرة التى رافقت الثورة، والتى تحولت مع مرور الوقت إلى أوهام. يشير الكاتب إلى أن الأهداف الكبرى التى رفعها الثوار باتت عاجزة عن تحقيق التغيير، وأن «الريشة» لا تزال «تعوم» وسط تيارات متضاربة، يعكس هذا النقد حالة التوهان التى يعيشها المجتمع المصرى فى ظل الصراعات السياسية والاجتماعية.
أما شخصية «محمد» و«إسلام » فهى تقدم مثالًا حيًا على الصراع الداخلى الذى تعيشه بعض العائلات المصرية، حيث ينتمى بعض أفرادها إلى جماعة الإخوان، فى حين ينتمى الآخر لحزب «الدستور »، وهنا يعبر هذا الصراع عن التمزق بين الواجبات العائلية والانتماء الحركى للتنظيم. رفض «محمد» النزول إلى الشارع دون ضمان حماية شقيقه «إسلام» يعكس حالة التمزق التى يشعر بها الأفراد بين الروابط الأسرية والانتماءات السياسية، هذا الصراع يجسد الأزمة التى تواجهها الشخصيات فى اتخاذ قرارات بين العائلة والطموح السيسى الزائد الذى يصل إلى الوهم، ويرمز لشخصية محمد فاضل العميل لأجهزة الأمن ربما لشخصية حقيقية أو لأى شخص اخترق الجماعة وتسبب فى انهيارها. 
فى الرواية، تتحول ثورة يناير إلى رمزٍ للوهم، كما يوحى العنوان. الثورة، التى كانت مصدرًا للأمل فى البداية، تحولت إلى «وباء» وفقًا للكاتب، حيث لم تحقق الآمال الكبيرة المعلقة عليها بسبب ركوب جماعة الإخوان المسلمين للموجة وبداية مرحلة جديدة فى السياسة المصرية. هذه النظرة التشاؤمية تبرز الشعور بالانهيار والانكسار بعد فشل الأهداف الكبيرة.
تأملات فى شخصية القيادات 
لغة الكاتب تمزج بين السرد الواقعى والتأملات الشخصية العميقة، حيث ينقل تجارب شخصيات الرواية التى تعكس حالات مجتمعية مختلفة، ربما شهادات حية من واقع المذكرات الشخصية لقادة الإخوان يشير الكاتب إلى شخصيات مثل عصام العريان، وعبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد بديع، ومحمد البلتاجى، وإبراهيم الزعفرانى وأبو العلا ماضى، يعتمد حميدة على النقد الاجتماعى والسياسى بشكل غير مباشر لمشروعهم السياسى للإخوان، من خلال الحوارات بين الشخصيات الرئيسية، مما يعكس تصاعد مشاعر مختلطة كثيرة. 
تُطرح «خريف الوهم » تساؤلات حول أدوار الحركات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، فى الأحداث التى شهدتها مصر. يتساءل الكاتب عن جدوى مشاركة الإخوان فى الثورة وما إذا كانت تلك المشاركة بالفعل لصالح الجماعة أو المجتمع ككل.
رواية «خريف الوهم» هى دراسة عميقة لواقع جماعة الإخوان المسلمين. ينقل الكاتب عبر الشخصيات ما يريد قوله حول تجليات الفكر والثقافة التى حدثت فى الواقع. تعكس شخصيات الرواية المأزق السياسى والاجتماعى الذى يوجهه المجتمع المصرى بسبب وجود الإخوان، يعتمد علاء سعد حميدة على لغة نقدية تصف الواقع المصرى بمرارة، وتسلط الضوء على خيبات الأمل المتتالية التى واجهها المجتمع بسبب استغلال جماعة الإخوان المسلمين للثورات والاحتجاجات الشعبية.

٢«انظروا إلينا نرقص» لهشام النجار

483.png


تبدو رواية الكاتب الصحفى هشام النجار من عنوانها «انظروا إلينا نرقص» مستوحاة من أحداث وشخصيات حقيقية، وهو ما كشفت عنه تفاصيل العمل التى تمتد بين عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣، حيث شهدت تلك الفترة صعودًا وهبوطًا لتيار الإسلام السياسى فى مصر والعالم العربى.
ربما يقصد المؤلف بـ"الرقص» الحركة والديمومة والانفعال، كما عبّر جلال الدين الرومى عن معنى الرقص بقوله: «لا يفنى فى الله من لا يعرف قوة الرقص. ارقص عندما تنكسر، ارقص فى قلب المعارك، ارقص عندما تثخنك الجراح، وارقص فى تمام حريتك».
تغوص رواية «النجار» فى عمق شخصيات وتيارات برزت فى أحداث يناير ٢٠١١، وكانت قاسمًا مشتركًا مع تيارات الإسلام السياسى التقليدية. تحكى الرواية قصة مجموعة من الطلبة والأكاديميين الذين ساهموا فى تغيير الواقع. شخصيات بين الواقع والخيال صيغت حكايتهم فى سرد يتنقل بين الهدوء والصخب، البطيء والسريع، على إيقاع شغفهم ومثابرتهم. القصة تستحق القراءة والنظر إليها عن قرب، ليعرف من لم يعرف قصتهم كيف اجتمعوا، وكيف واجهوا الإحباطات والتحديات، وكيف واجهوا التشويه والاغتيال المعنوى، وكيف نشروا نورهم وسط الظلام، وكيف رقصوا.
تتناول الرواية قصة رئيسة ترتبط بالواقع، تدور حول تحولات شاب جامعى تنتمى أسرته لجماعة الإخوان ولتيار رفاعى سرور (التيار القطبى أو السلفية الجهادية فيما بعد). تقوده ملابسات غريبة إلى الخروج من الظل والخفاء إلى النور، ليعلن انفصاله عن عائلته ويلتحق بتيار نضالى تنويرى يقوده أحد الأكاديميين. هذا التيار، الذى وصفه الروائى بأنه «إنقاذى راقص»، مليء بالحياة، ويشتبك فى مواجهات فكرية وحركية مع التيارات الدينية المنغلقة التى تصف التيارات الأخرى بالعلمانية أو الليبرالية المرتدة.


إحباط الشخصيات والتنوير المعاق.
يجسد طارق كمال الصراع الداخلى بين خلفيته العائلية وفكره التقدمى. يشعر بالتمزق بين الانتماء العائلى وقناعاته الفكرية الجديدة التى يجدها أكثر تحررًا.
نبيل الشافعى، أحد الشخصيات الرئيسة فى الرواية، يظهر كشخصية مثقفة تقدمية ومعارضة للتيارات السلفية والإخوانية. يجسد نبيل النضال الفكرى ضد «الرجعية المتزمتة»، ويعمل على تأسيس «مملكة خاصة» تجمع مثقفين وطلابًا نابهين، ويقدم لهم الدعمين المادى والفكرى.
شقة «آداب» أو مركز التنوير، كما يسميها طارق، تمثل مركزًا للنشاط الثقافى والفكرى، حيث تُناقش الأفكار التقدمية وتُخطط المواجهات الفكرية ضد التيارات الرجعية. الشقة تمثل ملاذًا فكريًا بعيدًا عن التأثيرات السلبية للمجتمع المحيط.
تقدم الرواية الصراع بين التقدمية والرجعية كمحور رئيسى. يسعى نبيل الشافعى ورفاقه إلى تحرير العقول وغرس القيم الإنسانية والتقدمية، فى حين يرون أن السلفيين والإخوان يمثلون الظلام والرجعية. هذا الصراع يعكس الواقعين الاجتماعى والسياسى فى كثير من البلدان العربية.
النص يحمل نقدًا واضحًا للواقعين الاجتماعى والسياسى، حيث تعبر الشخصيات المثقفة عن استيائها من انتشار الفكر الرجعى وتخلف المجتمعات، وتدعو إلى التغيير من خلال التثقيف والتوعية.
«ارقص غصب عنى.. ارقص»
تستكشف الرواية الأبعاد النفسية لشخصياتها، مثل طارق كمال الذى يعانى من صراع داخلى بين واقعه المتواضع وطموحاته الكبيرة. يعكس هذا الصراع التحديات التى يواجهها الأفراد المنشقون عن هذه الجماعات فى المجتمعات الحالية.
تتشابك أحداث الرواية مع قصص أخرى لشخصيات حقيقية وخيالية، حيث تتصاعد الأحداث على خلفية صراع بين عائلة أيديولوجية قديمة (سرور) وعائلة تقدمية جديدة (تنوير). الصراع يتجسد بين القديم والجديد، وبين الموت وإرادة الحياة، مع وجود رمزية لشخصيات مثل (فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وسيد القمني) فى مقابل (سيد قطب ورفاعى سرور وعمر عبد الرحمن وأيمن الظواهري).
الرواية تناولت العديد من القضايا السياسية والفكرية، وتعد الأولى من نوعها فى مجال «علم اجتماع الأدب المعرفي»، الذى يشتبك مع واقع متخم بالأحداث. تتقصى الرواية وتفكك أنشط الكيانات السلفية خلال تلك الفترة، مثل تيار رفاعى سرور، الذى انبثق منه حركة «حازمون»، و«الجبهة السلفية»، و«ائتلاف دعم المسلمين الجدد» كما تتناول التيارات العنيفة مثل «المرابطون» بقيادة هشام عشماوى، و«أجناد مصر» بقيادة همام عطية، و«ولاية سيناء» بقيادة أبو أسامة المصرى.
رواية هشام النجار الجديدة تحمل شعورًا بالغربة، وتبدو كصرخة مدوية فى إهداء الرواية إلى «مجهول أحب الحياة، فتركوا له إضاءة الطريق عسى أن يظفر بلحظة سعادة». تُذكرنا الرواية بفيلم «المصير» وأغنية محمد منير «على صوتك بالغنا، لسه الأمانى ممكنة»، حيث كانت تلك صرخة سينمائية مبكرة من يوسف شاهين لمواجهة خطر الإرهاب بفكر ابن رشد وعبقرية فلسفته.
حذر موسى صبرى فى كتابه «السادات: حقيقة وأسطورة» من رفاعى سرور قائلاً: «انتبهوا، رفاعى خرج من السجن». تحدثت الرواية عن رفاعى سرور، منظر السلفية الجهادية الذى تأثر بسيد قطب فهو استنساخ لفكره فى معظم كتبه مثل كتابه «بيت الدعوة» و«عندما ترعى الذئاب الغنم»، رفاعى سرور وهو الامتداد الطبيعى لشيخ «آدم صالح» الشيخ المسن الذى كان خطيب مسجد المطراوى بحى المطرية، وأول من أفتى بقتل السادات وقال على المنبر » عضو الجماعة الذى يملك ثلاجة ولا يملك سلاحا آليا آثم شرعًا» كانت هذه الأفكار دافعة للكثير من الشباب للانتماء للتيارات الجهادية فيما بعد وخاصة فى منطقة المطرية وعين شمس وشبرا الخيمة. 
ربما تنبأ هشام النجار بظهور «مركز تكوين»، حيث نُشرت الرواية قبل أسابيع من أزمة «التكوينيين». لكنه كروائى، انتصر لفكرتهم دون شك، بل واعتبرها البديل للإسلام السياسى، وهى رؤية خاطئة بالتأكيد، إذ أن مواجهة الإسلام السياسى لن تأتى من التنويريين أو المتصوفة، فهروب بعض أبناء تيار المراجعات إلى التنوير هو هروب زائف، إذ لم يحصل الكثير منهم على العلم الشرعى من مصادره الأصلية بل والثقافة المصرية الواعية أو حتى الرؤية الأكاديمية المكتملة التى تمكنه بعدها من الجلوس على أريكة الاجتهاد ومن ثم التنوير الحقيقى وليس الزائف، «انظروا إلينا نرقص» لهشام النجار هى عمل أدبى يحمل رسالة نضالية ضد التطرف والتخلف الفكرى. يعبر النص عن أهمية الفكر ودور المثقفين فى تحقيق التغييرين الاجتماعى والسياسى، مقدماً نموذجاً للقيادة الفكرية والتغيير من الأسفل، ومشددًا على ضرورة النضال الفكرى والثقافى لتحقيق التنمية والتقدم.

٣ «وادى الطفشان» لعلى الصاوى 

475.jpg


رواية «وادى الطفشان» تُعد واحدة من الروايات المهمة التى تتناول الواقع المصرى والمعارضة المصرية فى الخارج، بالإضافة إلى أبعادها الفلسفية، النفسية، الاجتماعية، والسياسية. «الطفشان» فى اللغة التركية تعنى «الأرنب»، أى «وادى الأرانب»، وهو ما يذكرنا ببيت شعر المتنبى:
«أرَانِبُ غَيْرَ أنَّهُمُ مُلُوكٌ... مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهمُ نِيامُ».
الأرنب تنام وعيناها مفتوحتان، وشُبّه هؤلاء بالأرنب لأن عيونهم مفتوحة ولكنهم نيام. ولم يُقصد النوم بمعناه المعروف، بل أُريد به أنهم قومٌ «بُله» لا يفطنون ولا يفقهون ما هم فيه من تيه. فالعرب تمدح قلة النوم وتذم من اعتاد النوم كثيرًا. من الواضح أن المقصود هو قوم أعمت قلوبهم التى فى الصدور، وهذه هى القصة.
الرواية تنتمى إلى عالم «الميثولوجيا» القديمة، وتُقدم فى قالب رمزى يعبر عن الآلهة، الملوك، التيجان، وقرية «أم الخلود»، التى ترمز لعالم معاصر وغاياتٍ وقع فيها القوم دون روية أو فهم للأمور.
وهنا تتساءل الناقدة والصحفية شيماء عيسى فى رؤيتها النقدية عن الرواية «وادى الطفشان»: هل يمكن شراء الحضارة بالمال؟ تحمل الرواية هموم الحضارة وما حدث للشباب المصرى فى الخارج. تقول عيسى: «الرواية تطرح زمنين ومكانين؛ أحدهما الحاضر والآخر الماضى الذى يستدعيه الأب تاجر الأوانى الفخارية، حين يروى لابنه عن قرية «أم الخلود»، زينة قرى الجنوب، ذات القلاع الحصينة والأنهار الممتدة من الشمال إلى الجنوب، والتى حسدها القريب وتربص بها البعيد، حتى باتت قصتها حديث الغابرين».
أسرار التاريخ فى وادى الأرانب 
بطل الرواية هو الابن الشغوف بأسرار التاريخ، ورغم بساطة حاله التى تحول بينه وبين دروس المعبد المفتوحة فقط للنبلاء، فقد صمم يومًا على مهادنة الحراس والدخول متسللًا إلى مكتبة الكتب القديمة فى المعبد، حتى وصل إلى بغيته فى كتاب «الأساطير الوسطى والقرية المنكوبة». ومن هنا تبدأ الرحلة التى يحكيها راوٍ عليم وتتخللها حوارات الأبطال.
تحكى الرواية عن وقائع معاصرة بتناول رمزى متخيل، حيث يسعى الكاتب إلى الكشف عن معضلة البحث اللانهائى عن الحقيقة، والثمن الذى يدفعه الباحث أو المفكر أو الشباب فى سبيل الوصول إليها، مركّزًا على التشابه بين الأجيال، والتباين فى الشجاعة الأدبية والخوف أحيانًا، والرغبة فى التغيير رغم بوادر العجز وخشية سوء العاقبة.
على الصاوى هو روائى مصرى مقيم فى تركيا، يحمل هموم الشباب فى الخارج. هو كاتب من طراز رفيع لديه مشروع أدبى يحاول البعض إعاقته ووضع العراقيل أمامه، بينما يظهر البعض الآخر أنهم يتبنون مشروعه لأغراض أخرى! وما بين الزيف والبهتان يعيش بعض الشباب فى الخارج، بين اليأس والرجاء والحب وتجنب الشر. تخرج كلمات الصاوى مخنوقة لتولد فى رحم الأحزان.
الشخصيات فى الرواية تحمل أسماء تمزج بين اليونانية والفرعونية، لتتناغم مع طبيعة صراع الآلهة والفلاسفة فى «وادى الطفشان». لم يُحدد الكاتب المكان أو الزمان لأحداث الرواية، لإضفاء شمولية على الأحداث، وللتأكيد على أن طبائع البشر وصراعاتهم السرمدية تحمل نفس التفاصيل والدوافع فى كل زمان ومكان.
جاءت شخصية الفيلسوف «أسفين» بطل الرواية متسائلة وقلقة حول ما يحدث فى الوادى من اضطرابات وصراع سياسى. مثّلت شخصية «أسفين» الحاضر الذى يحاول أن يمهد الطريق لمستقبل أكثر صلاحًا وإنسانية، مقدّمًا نموذجًا مختلفًا عن شخصية «عرّاف الجبل» الذى يمثل الماضى القديم بخوفه وتقليديته، التى تؤثر السلامة على المواجهة رغم معرفته بكل ما حوله. كانت شخصية «أسفين» متجردة إلا من الفكر والتأمل بعقلانية مفرطة، ما سبب لها كثيرًا من المشاكل مع دوائر النفوذ وحملة المباخر من فلاسفة موالين لكهنة الآلهة المسيطرة فى الوادى.
الحوارات فى الرواية مكتملة ودسمة بالدلالات والرسائل، وتحمل نبوءات استشرافية قدمها «أسفين» من خلال كتاب إله القدر الذى يحمله معه أينما ذهب، فى إشارة رمزية إلى الكتب السماوية وما بها من تعاليم ونبؤات تحذر الناس بعواقب أفعالهم.
الوادى يبدو وكأنه يجسّد الجماعة الإخوانية، وتبدو عوالم الإعلام المختلفة فى بلاد إسطنبول بلا رؤية أو قيم تحكمها. والكهنة فى الوادى هم القواعد المغلوب على أمرهم تارة، وهم الفواعل فى هذا الوادى والمعبد تارة أخرى.
تميز نص «وادى الطفشان» بأنه يخالف أفق توقعات القارئ، إذ يدفعه ليكون شريكًا فى العملية الإبداعية عبر ملء الفجوات الروائية، ومحاولة فهم الرمزية التى تحاكى واقعًا قد يكون مقاربًا له. يتسع النص لكثير من التأويلات والإسقاطات على مجتمعات محيطة، إذ يمزج العمل بين دراما غرائبية وأسلوبية معاصرة.
فرغم ميثولوجية العمل، إلا أن الجو النفسى للأحداث والشخصيات قريب من حاضر القارئ، ويشبه شخصيات حية قد يشعر القارئ بالانتماء إليها. يستثير النص كل حواس القارئ النفسية والذهنية لفهم مرام العمل ورؤيته الفنية، ومرارة العيش فى الغربة.
عرايا وادى الطفشان 
تختلف رواية «وادى الطفشان» للكاتب على الصاوى عن رواياته السابقة إسطنبول ٢٠٢٠ وعارياً فى إسطنبول. فرواية إسطنبول ٢٠٢٠ حملت إسقاطًا مباشرًا على شخصيات لعبت أدوارًا فيما يسمى بالمعارضة فى الخارج. لم تعمم الرواية ولم تشوه الجالية المصرية والعربية فى تركيا، وإنما ركزت على فئة تجار الدين والوطنية ومحترفى الفساد الاجتماعى والأخلاقى.
سنجد أبطال رواية إسطنبول ٢٠٢٠ شخصيات متناقضة فى المشاعر ومتضاربة فى الأهواء، منها ما هو جدير بالإعجاب ومنها ما هو أليق بالذم والهجاء. شخصيات تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، وبين الزيف الاجتماعى والسذاجة الشخصية. بعضهم ضحايا، والبعض الآخر جناة.
أما فى رواية عارياً فى إسطنبول، فصدمنا على الصاوى بالواقعية السياسية، إذ أظهر الكثير من السلبيات فى قاع مجتمع إسطنبول السرى، مثل تردى الاستغلال السياسى للتيارات الدينية والسياسية، وصراع الأضداد فى ما يسمى بالمعارضة المصرية فى الخارج، وقلة الطرح العملى للمشروعات السياسية فى الوقت الذى ينتقدون فيه أداء النظم والحكومات. أظهر فقدان المهنية الإعلامية، وتقديم الولاءات على الكفاءات.
أما رواية «وادى الطفشان» فجاءت متعددة بين القطع المفاجئ والمشهد المريح والوصف الدقيق. الرواية تقدم رؤية غير مألوفة وتناولًا حداثيًا تراثيًا يحمل رؤى ذات أبعاد فلسفية وسياسية تُشم رائحتها من عتبات النص.
تنتهى الرواية بهيمنة معبد «مآتوم» على مقدرات القرية، وتركيع حاكمها واقتلاع قرون عرشه، وهنا تتحقق نبوءة العراف القديم. هربت نخبة معبد «حاتوم» ليلاً وعلى رأسها كاهنها «بناليس» من وادى التيه، بينما تمكن «نورزيف» من إغراق الناس فى دوائر أكثر ظلمة، فضاعت البوصلة وأحلام العدل. أما الفيلسوف «أسفين» فقد قرر العودة من جديد إلى واديه، حتى لا ينتهى كتاب حياته مطرودًا فى جبل منفى بعيد. وهنا تكمن نبوءة العودة من وادى الطفشان، فهل تتحقق؟

٤رواية «محاولة للنسيان» لحمدى البطران 

472.png


رواية «محاولة للنسيان» تعكس حالة المراجعات الفكرية لبعض الشخصيات التى انتمت إلى الجماعات الإسلامية لفترة من الزمن، وتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المراجعات حقيقية، أم مصطنعة، أم ناتجة عن ضغوط الواقع والسجون والخوف من العائلات والأسر الكبيرة. الرواية، للواء حمدى البطران، تتميز بكونها تمزج بين الأحداث السياسية والاجتماعية المعاصرة، وتقدم دراسة تحليلية عميقة للنفس البشرية فى ظل الأحداث التاريخية والسياسية الكبيرة. إليك بعض النقاط الرئيسية لتحليل الخطاب الذى يظهر فى الرواية:
«محاولة للنسيان» تقدم سردًا عميقًا للأحداث التى مرت بها مصر فى الفترة الأخيرة، خصوصًا بعد ثورة يناير وما حملته من إحباطات وخيبات أمل لتيارات كبيرة فى المجتمع المصرى. يستعرض الكاتب توترات العلاقة بين السلطة والشعب، مسلطًا الضوء على الاستبداد والظلم الذى يشعر به أبطال الرواية.
الفجوة الزمنية والوطن الباقى، الرواية تتناول بشكل غير مباشر الحالة الاجتماعية المتدهورة، حيث تعكس الشخصيات حالة الانقسام بين الأفراد والمجتمع. يظهر الكاتب كيف دفعت الظروف الاقتصادية والسياسية العديدين إلى اتخاذ قرارات قاسية، منها اللجوء إلى العنف أو الهروب من البلاد. شخصية البطل تواجه تمزقًا بين العائلة والوطن، ويعانى من تبعات تلك الصراعات على مستوى نفسى عميق.
يمر البطل بصراع داخلى بين الانتماء السابق للجماعات الإسلامية فى مرحلة من حياته وبين الرغبة فى الحرية. يتأرجح بين الماضى الذى يسعى لنسيانه والمستقبل الذى يسعى لتحقيقه. يُظهر الكاتب الصراعات النفسية التى تواجه الشخصية الرئيسة بعد المشاركة فى أعمال عنف، ما يثير تساؤلات حول مفهوم الخلاص، والتوبة، والمراجعة، والندم. يعكس ذلك الواقع الذى يواجهه العديد من الذين خاضوا تجارب العنف والصراع الفكرى داخل هذه الجماعات المتطرفة.
من خلال الحوارات والأفكار التى تمر بها الشخصيات، يطرح الكاتب، الخبير الأمنى السابق وابن الصعيد المتعمق فى جذور وتربة المجتمع المصرى، تساؤلات حول الدين ودوره فى حياة الأفراد والمجتمع. تعيش الشخصيات صراعًا بين المفاهيم الدينية التقليدية ومتطلبات الواقع السياسى والاجتماعى المعاصر، مما يبرز القيم الأخلاقية والدينية التى تتعرض للتحدى فى ظل الظروف الصعبة.


توبة أم مراجعة أم تحول فكري 
يقدم الكاتب نقدًا واضحًا للعنف الذى تمارسه الجماعات والأفراد، وأحيانًا جهاز الشرطة، ضد المتهمين، موضحًا آثاره النفسية والاجتماعية على المشاركين فيه. هذا النقد يعكس نضجًا حقيقيًا وخبرة كبيرة فى المجال الأمنى. يستخدم الكاتب لغة تصويرية قاسية تصف العنف بكل تفاصيله المروعة، مما يجعل القارئ يشعر بثقل الأحداث وتداعياتها على الشخصيات الرئيسية.
أسلوب الكاتب يميل إلى الواقعية الصادمة، حيث يصف الأحداث بواقعية قاسية، لكنها تحمل فى الوقت ذاته جمالًا لغويًا وتفكيرًا عميقًا فى تأثير الأحداث. يعتمد البطران على أسلوب السرد الشخصى، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش التجارب مع الشخصيات، ويعكس ذلك البعد النفسى العميق الذى تمر به الشخصيات، وهو ما يعزز البعد النفسى فى دراسة الأدب الاجتماعى، الذى يقدمه الكاتب فى هذه الرواية.
رواية «محاولة للنسيان» تعكس محاولات البطل لتجاوز ماضيه العنيف والمؤلم. نعم، هو يحاول الهروب من واقع يسعى لنسيانه بعنف، كما شارك فيه بعنف. الرواية تُظهر أيضًا كيف تؤثر الأحداث التاريخية والسياسية بعمق على النفس البشرية. يقدم الكاتب تحليلًا نقديًا للعنف، والسلطة، والدين، ويطرح تساؤلات حول الحرية والخلاص والتوبة والمراجعة الذاتية. هذا ما يجعل الرواية دراسة غنية حول النفس والجماعات الدينية ومراجعاتها الفكرية. يبقى السؤال: هل استطاع أبناء هذه المراجعات الفكرية التخلص من ماضيهم؟ وهل يمكن للشخصيات التى مرت بهذه الجماعات المتطرفة أن تتراجع بسهولة وتندمج فى مشروعات المجتمع؟ المجتمع، وليس الدولة، لأن البعض لم يتجاوز سياق المجتمع للوصول إلى الدولة، وهذا هو السؤال الذى يجب طرحه فى النقد لعوالم الإسلام السياسى.

471.jpg
470.jpg

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إدارة التجنيد والتعبئة تقدم التيسيرات التجنيدية لأبناء الوطن من ذوى الهمم وكبار السن بعدد من محافظات الجمهورية
التالى جامعة الزقازيق تشارك في إطلاق فعاليات الحملة الشاملة للتوعية بحقوق ذوي الإعاقة