باحث في معهد الأمن العالمي والقومي بجامعة جنوب فلوريدا يحلل العوامل المتداخلة التي أسهمت في هذا التغيير الميداني
محموديان: هذا التطور ليس خارج نطاق التوقعات وأنها ليست غير متوقعة ولا غير مسبوقة في الواقع
شهدت سوريا مؤخرًا مكاسب مفاجئة للفصائل المسلحة، أبرزها سيطرة هيئة تحرير الشام على مناطق في حلب، مما أثار تساؤلات حول أسباب هذا التطور ودلالاته على مستقبل الصراع.
ويحلل الدكتور أرمان محموديان، باحث في معهد الأمن العالمي والقومي بجامعة جنوب فلوريدا، في مقال بمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، العوامل المتداخلة التي أسهمت في هذا التغيير الميداني.
يرى محموديان أن هذا التطور، وإن بدا مفاجئًا، فإنه ليس خارج نطاق التوقعات، وإنها ليست غير متوقعة ولا غير مسبوقة في الواقع، كانت تلوح في الأفق منذ فترة طويلة"، ونتاج عوامل تراكمت على مر السنين ومنها:
أولا: ضعف الجيش السوري:
كافح الجيش السوري للسيطرة على حرب أهلية لأكثر من عقد من الزمان، فأدت إلى تراجع قدراته العسكرية ومعنوياته، ورغم استعادة بعض التوازن منذ 2018، لم يتسن للجيش السوري فرصة التعافي بشكل كامل، مما أضعفه أمام التطورات الأخيرة.
ويرى الكاتب أن وجود ونشاط القوى الخارجية وإنشاء القواعد العسكرية وأساليب فرض السيطرة في جميع أنحاء البلاد أثر على معنويات قوات الجيش السوري.
بالإضافة إلى ذلك، قد ساهم الاستهداف المستمر للبنية التحتية العسكرية السورية من قبل الغارات الجوية الإسرائيلية على مدى السنوات الماضية في تفاقم هذا الضعف.
ثانيًا: الإجهاد الروسي في أوكرانيا:
شدد محموديان على تأثير "الإرهاق الأوكراني" على روسيا، مبينا أن تركيز روسيا الكامل تقريبًا على الحرب في أوكرانيا، والإجهاد الناجم عن حربها المطولة بها، أدى إلى تراجع دعمها العسكري لسوريا بشكلٍ كبير.
فعندما أعلنت روسيا دعمها للأسد في عام 2015، لعبت دورًا محوريًا في استعادة سلامة البلاد، وكانت الضربات الجوية الروسية حاسمة في تحويل ميزان الحرب الأهلية، مما سمح للحكومة السورية، بدعم من القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية المتحالفة معها، بامتلاك اليد العليا.
وقد قلّت الضربات الجوية الروسية، وتم إعادة نشر الكثير من القوات الروسية النخبة في أوكرانيا، مما أثر سلبا على معنويات الجيش السوري وشجع الفصائل المسلحة على التحرك.
ثالثًا: تراجع دعم "محور المقاومة":
شهد "محور المقاومة" تغيرات كبيرة، فقد أثّر الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله سلبًا على قدرة حزب الله على دعم سوريا، حيث أُجبر على إعادة توجيه موارده نحو لبنان.
كما أدت الخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله في الصراع مع إسرائيل إلى إضعاف قدراته العسكرية.
رابعًا: التحديات الداخلية في سوريا:
يعاني النظام السوري من مشاكل اقتصادية شديدة ومعاناة واسعة النطاق في إمدادات الخدمات الأساسية، كالكهرباء، مما يزيد من استياء الجمهور ويهدد باستقرار الأوضاع داخليًا.
فمنذ عام 2018، تمكن الأسد من استعادة السيطرة على ما يقرب من 70% من البلاد، ومع ذلك، كافح للحفاظ على السيطرة على المناطق النائية.
وتستمر سوريا في مواجهة تحديات اقتصادية شديدة، ولم تتمكن الحكومة من توفير حتى الخدمات الأساسية مثل إمدادات الطاقة.
فرص بقاء الأسد
رغم هذه التحديات، يشير محموديان أنه لم يزل لدى الأسد مسارات للبقاء، بجانب بعض المسارات التي قد تسمح له بالبقاء في السلطة، منها:
الحفاظ على السيطرة على المؤسسات السياسية في دمشق، وإبطاء تقدم الفصائل المسلحة مؤقتا لإتاحة الوقت لإيران وروسيا للدعم، والتنسيق مع تركيا لتجنب انهيار كامل للحكومة السورية.
وتشكل عوامل مثل حذر تركيا من هيئة تحرير الشام (التي كانت مرتبطة سابقا بتنظيم القاعدة الإرهابي)، والمخاوف بشأن المسار المستقبلي للجماعة، وإمكانية استغلال الأكراد السوريين لأي فوضى قد تنجم عن ذلك، عناصر قد تدفع أنقرة نحو تفضيل أهداف محدودة ومستوى معين من خفض التصعيد قريبًا.
وبالتالي، فإن التعاون بين هؤلاء اللاعبين الرئيسين قد يكون بمنزلة شريان حياة لحكومة الأسد، وهو يتنقل عبر المخاطر التي يواجهها.
ويبقى مستقبل سوريا رهنا بتطورات الأوضاع الإقليمية وتفاعل الأطراف المؤثرة.