على الرغم من إعلان دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الغاز الروسي، وكذلك النفط والمشتقات النفطية، ما تزال صادرات موسكو من الطاقة مرتفعة على مدى الأشهر الماضية.
ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن هناك مشكلة كبيرة تتعلق بموضوع روسيا، التي كانت تصدّر أغلب غازها إلى أوروبا.
ولكن، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، والمشكلات مع أوروبا وغيرها، تراجعت صادرات الغاز الروسي إلى القارة العجوز بشكل كبير، وتحولت الصادرات إلى الصين بشكل أكبر، على الرغم من أن روسيا اتجهت إلى الصين منذ عام 2014.
وقال، إن موسكو اتجهت إلى الصين حينها بعد فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات ضدّها، بعد أن ضمّت جزيرة القرم، لذلك بَنت خط أنابيب غاز إلى الصين، وبدأت تصدير الغاز الروسي إلى الصين.
جاء ذلك خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، الذي يقدّمه الدكتور أنس الحجي عبر مساحات منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، وجاءت هذا الأسبوع بعنوان "هل الغاز المسال وقود المستقبل؟ وكيف يمكن للأفراد الاستثمار فيه؟".
تنويع صادرات الغاز الروسية
قال الدكتور أنس الحجي، إن صادرات الغاز الروسي إلى الصين خلال الأسبوع الماضي ارتفعت لتصبح أكبر من صادرات موسكو من الغاز إلى دول قارة أوروبا.
ولكن الرئيس الروسي فلايديمير بوتين وجد نفسه في مشكلة كبيرة، وهي أن مستقبله في أوروبا أصبح محدودًا جدًا، بينما اعتماده على الصين يمثّل مشكلة اقتصادية وسياسية، إذ إن الجميع يعرفون أن هناك تباطؤًا كبيرًا في نمو الاقتصاد الصيني.
ومن ثم، سيكون الطلب على الغاز أقل، أو هذا سيمكّن الصينيين من التحكم أكثر في روسيا سياسيًا واقتصاديًا، لا سيما أن البلدين بينهما -تاريخيًا- ما صنع الحداد، فهذه مشكله كبيرة أن تضع روسيا كل البيض في سلة واحدة.
لذلك، تبنّت روسيا إستراتيجية جديدة، وهي تنويع صادرات الغاز الروسي، وهو أمر يتطلب بناء محطات للغاز المسال، لأنه لا يمكن بيعه إلى بقية العالم إلّا عن طريق كونه غازًا مسالًا، لذلك طُوِّرَ إلى ما يسمى بـ"أركتيك 2"، وهي محطات في الدائرة القطبية قريبة من حقول الغاز في سيبيريا.
وأضاف: "لذلك من الواضح تمامًا أن القرار الإستراتيجي الخاص بتنويع صادرات الغاز الروسي، الذي اتخذته إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، هو تطوير الغاز المسال، وهذا سيمكّن روسيا من تنويع صادراتها، ومن ثم يضمن لها إيرادات على المدى الطويل".
وقال الدكتور أنس الحجي، إن الولايات المتحدة نظرت إلى هذه المشروعات في الدائرة القطبية على أنها تهديد للأمن القومي الأميركي، ومن ثم بدأت بفرض عقوبات شديدة تختلف عن كل العقوبات التي طُبِّقت فيما يخصّ أوكرانيا.
وتابع: "بالطبع طُبِّقت هذه العقوبات تحت مظلة أوكرانيا، ولكنها لا علاقة لها بأوكرانيا، لدرجة أن أميركا -رغم علاقاتها القوية جدًا مع الهند- فرضت عقوبات على شركات هندية، لأنها كانت تسهم في بناء هذه المشروعات، لتجبر الهند على عدم استيراد الغاز المسال من تلك المنطقة، رغم أنها تسمح لها باستقبال النفط الروسي".
ولفت إلى أن هذا الأمر بالنسبة للأميركيين إستراتيجي بشكل كبير، لذلك يعلنون بشكل شبه أسبوعي عقوبات إضافية ومشددة على محطات الغاز الروسية الواقعة في الدائرة القطبية بالقرب من الحقول في سيبيريا.
محاولات استبدال الغاز الروسي
قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إنه من الواضح تمامًا أن الولايات المتحدة تحاول أن تحلّ محل الغاز الروسي في الأسواق الأوروبية منذ عام 2014، وذلك من خلال حجز سوق الغاز الأوروبية.
وأوضح أن من ضمن هذه المحاولات ما يحدث في البحر الأحمر الآن، فهي تسعى لحجز سوق الغاز الأوروبية لمدة 30 أو 50 عامًا مقبلة، وهي مدة أطول من أيّ حروب، وأطول من أيّ خلافات يمكن أن تحدث، أو حتى حروب تجارية.
ولذلك، بحسب الدكتور أنس الحجي، فإن النظرة المستقبلية على المدى الطويل تريد من خلالها الولايات المتحدة أن تحجز هذه السوق، لا سيما أن من يسيطر على مصادر الطاقة في منطقة يسيطر على تلك المنطقة، حتى ولو بشكل غير مباشر.
وأضاف: "لذلك كان الهدف الأميركي واضحًا تمامًا، وحتى تضمن الولايات المتحدة السيطرة على أسواق الغاز الأوروبية، عليها أن تقتل كل مصادر النمو التي قد تنافس الغاز الأميركي في المستقبل، وفي مقدّمتها الغاز الروسي".
ومن ثم، فإن موضوع البحر الأحمر وقطر، والآن موضوع العقوبات على محطات الغاز الروسي "أركتيك 2" للغاز المسال، سببها، أنه إذا انتهت الحرب الأوكرانية أو انتهت العقوبات أو تراخت، ستعود الدول الأوروبية إلى الاستيراد من روسيا.
وتابع: "بالنظر إلى الخريطة، نجد أن المسافة قريبة جدًا، لذلك ستكون هناك وفورات ضخمة من شراء الغاز الروسي، ولكي تضمن أميركا أن هذا لن يحدث، فإنها تطبّق العقوبات المشددة على الجميع.
وأكد الدكتور أنس الحجي أن العقوبات لا تُطبَّق على روسيا فقط، بل على كل من يتعامل معها، لمنع مشروعات الغاز الروسي، لا سيما الغاز المسال، أو على الأقل منعها من النمو بسرعة ومنافسة الغاز الأميركي في المستقبل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..