بقلم ✍️ عزة نصرالدين
( أديبة وقاصة )
»»
شوقي واشتياقي لكي رفيقتي الأولى تخطى مداه.. جسد نحيل شعر قصير وجه دائري ملامح ملائكية غمازة واحدة ضحكة من القلب محملة بالوجع لكنها ذات نغمة صافية وصوت هادئ منخفض دائما، تكاد تسمع همسه ولا تسمعه..
جمعنا سخان وأنية شاي ومشادة كلامية، كلتانا كانت أعصابنا متعبه، شملنا التعب؛ كما شملتنا غربة البلد، وغربة أرواحنا كانت الأقسى والأشد؛ كلتانا نحب السهر، ننام وقت استيقاظ الجميع، نستيقظ وقت نومهم، جمعنا بعدها شرفة غرفتينا؛ كل منا على مكتبها تنفذ أعمالها الفنية..
دائما كنت أنظر لكِ بتأمل، وأتساءل: لم كل هذا الحزن الذي يكسو ملامح وجهك الملائكي ؟..
تجيبني نفسي حتما وراءك سر كبير، رغم ذلك ما كنت أقحم نفسي فى أمور الأخرين؛ حتى جمعنا ذاك الحديث الذي كنتِ ترتدين فيها بيجامة زرقاء باللون الزهري وأظنني أرتدي عباءة منزلية سوداء..بدأنا حديثنا مرغمتين، كل منا تتحدث بوجه متجهم، ونجيب على بعضنا بملامح جامدة؛ فالناظر إلينا سيدرك من الوهلة الأولى بأنه لا وفاق بيننا مطلقا..
كيف ومتى بتنا رفقاء فى صورة أخوات، من يرانا سيظن أننا خرجنا من بطن واحدة؛ فقد تقاسمنا كل شيء مع بعضنا البعض، تقاسمنا الدمع قبل الضحك، تقاسمنا الحزن قبل المسرة، احتضنا بعضنا البعض، وصرنا سندا لأنفسنا فى غربة قاتلة، تشهد لنا نوافذ المدينة السكنية التي كنا نجلس فوق منها متلاصقتين فى الصيف والخريف، أعتاب الدرج التي كنا نلتصق بها شتاء، كما تلتصق بأيدينا أكواب الشراب الساخن؛ الشاي لكِ والقهوة بطبيعة الحال لي..
لن أنسى فطورنا المعتاد صباحا؛ فقد تعلمت منكِ ارتشاف الشاي الساخن مع كل قضمة خبز سواء كانت محشوة بالفول أو الجبنة أو المربى؛ المهم أن نضبط إيقاع الشربة والأكلة، ونضبط كمية الشاي فى الكأس بقدر الشق المأكول؛ فقد كانت إحدانا بكل مرة تقتسم الشق والأخرى تشاركها فيه بتناغم عجيب، حتى نشبع، وكالعادة تذكرينني كل صباح بأن صوتي ونغمته الهادئة سبب نعاسك المفاجئ كل مساء لتدعينني خلفك أسامر الليل وما بيدي من عمل.
دائما ما كنتِ تخبرينني أنكِ تودين محادثة أهلي، لا سيما والدتي؛ لتخبرينها بأن ابنتها طباخة ماهرة، ونَفَسُها يعبئ القلب والروح قبل المعدة..ذكاؤك الإجتماعي، نظرتك للأمور، تحليلك الواثق، نصيحتك الصادقة، دعواتك الجميلة لي ؛ جميعها أتذكرها..
ما ضاقت علي أرض السمراء، إلا وقد وجدتني ارتمي فى حضنك الدافئ، تربتين على قلبي بكلماتك قبل ربت يدك على كتفي،تشهد لنا مباني السمراء وطرقاتها، كورنيش النيل، وبهائه،رائحة النيل ورقرقات أمواجه، شارع المعبر و مكتبته، دواليب السيارات المارة به، مكتبة الفنون العامرة والإشارة، المعرض الصيني و كنيسية الأرثوزكسية، الشهيد وعمر أفندي، النساجون الشرقيون، ميدان الساعة و”بانزيون”، السهاريج ومدينة العمال، الهلال والمستشفى العام، الساقية والدولفين، المنشية والمنشاة، أسوار الجامعة وباحاتها، أداب وعلم نفس اجتماع، التربية النوعية وفضائها؛ كنا نسير معا؛ وقد حملت كل منا بأضلعها قلب الأخرى..
مسماكِ “نهى” وقد كنتِ لي رفيقة درب من أولى النهى؛ لقد كان لكِ من اسمكِ نصيب..
اشتقت واشتاقت الروح معي.
????
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" almessa "