رغم تأكيدها على أهمية الإجراءات التي اتخذها المغرب من أجل النهوض بوضعية الأشخاص ذوي الإعاقة خلال العقود الأخيرة فإن تنظيمات وهيئات مدنية مترافعة عن حقوق هذه الفئة مازالت تشعر بقلق إزاء “ضعف” إعمال حقوق المغاربة في وضعية إعاقة، مسجّلة وجود “تأخر كبير” من قبل القطاعات الحكومية في هذا المجال، يستدعي الاستدراك من خلال إجراءات عملية وفعالة.
جاء ذلك في بلاغ أصدرته هذه التنظيمات؛ وهي المرصد المغربي للتربية الدامجة، والاتحاد المغربي للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة الذهنية، والمنظمة المغربية لحقوق النساء ذوات الإعاقة، والجامعة الوطنية للعاملات والعاملين الاجتماعيين، بمناسبة اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكدة أن “هذا الضعف أكدته تقارير المؤسسات الوطنية”، وداعيةً “القطاعات الحكومية إلى استدراك التأخر الكبير في ما تبقى من الولاية الحكومية”.
وسجّلت التنظيمات عينها أن “هذا التأخر يتجلى على مستوى استكمال المنظومة القانونية والتنظيمية؛ إذ مازال القانون الإطار 97.13 لحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها لم يدخل حيز النفاذ، بسبب عدم إصدار مجموعة من النصوص التطبيقية بشأنه، وكذلك عدم استكمال النصوص التطبيقية للقانون رقم 65.15 المتعلق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، والقانون رقم 45.18 لتنظيم مهن العاملات والعاملين الاجتماعيين”.
وانتقدت الهيئات نفسها “عدم ملاءمة بعض النصوص القانونية والتنظيمية مع أحكام الاتفاقية الدولية الحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والدستور”، معتبرة أنها “تحتاج إلى مراجعة عاجلة، من قبيل القرار الوزاري رقم 47.19 بشأن التربية الدامجة”.
وأشار البلاغ، الذي تتوفر هسبريس على نسخة منه، إلى “صعوبة حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الخدمات الصحية، بما فيها التشخيص الطبي، والتأهيل الوظيفي ميسر الوصول وبكلفة معقولة على مستوى الشغل والتشغيل”، مسجلا في السياق ذاته “غياب” حصة محددة في القطاع المقاولاتي الخاص بتشغيلهم، “وضعف تطبيق نسبة %7% في ولوج القطاع العام”.
وعلى مستوى الحماية الاجتماعية اعتبرت الجمعيات عينها أن “تأخر إصدار بطاقة الشخص في وضعية إعاقة، وعدم إخراج نظام متكامل للدعم الاجتماعي طبقا للمادة 6 من القانون الإطار 97.13 لحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها، يجعل شمول الأشخاص ذوي الإعاقة بالحماية الاجتماعية مؤجلا”، مؤكدة أن “عدم تضمين منظومة الاستهداف للسجل الاجتماعي الموحد مكون الإعاقة في صيغة احتساب المؤشر الاجتماعي والاقتصادي يجعل العديد من الأشخاص مقصيين من الدعم”.
كما انتقدت هذه التنظيمات “ضعف قيمة الدعم المالي المباشر التي تم التنصيص عليها لأسر الأطفال ذوي الإعاقة العميقة، وغياب تدابير حقوقية وإجراءات لدعم الأمهات مقدمات الرعاية الأسرية للأشخاص ذوي الإعاقة”.
إنجازات وتحديات
صباح زمامة، رئيسة الاتحاد الوطني للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة الذهنية، قالت إن “مجموعة من المكتسبات تحققت لفئة ذوي الإعاقة خلال العقود الأخيرة، إذ تم تمتيعهم بحقوقهم في التمدرس والتغطية الصحية والاجتماعية؛ وبدأ يلاحظ إدماجهم في الوسط المدرسي والمهني، كما يجري إدماجهم في مختلف المشاريع التنموية الوطنية كذلك”، مستدركةً بأنه “مع ذلك مازال المغرب يحتاج بذل جهود كبيرة لصالح هذه الفئة، خاصة في ما يرتبط بمراعاة خصوصياتها”.
وأوردت زمامة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مشاريع الحماية الاجتماعية لم تكن شاملة ومراعية لخصوصية هذه الفئة”، مردفة: “نجد على سبيل المثال الأسر التي يضطر أحد أفرادها، أبا كان أو أما، إلى عدم الاشتغال من أجل الاعتناء وتقديم الرعاية الأسرية لابنها الذي يشكو إعاقة جسدية متقدمة أو ذهنية؛ ولم تستفد من دعم مالي تعويضاً لها عن هذا الأمر”.
وتابعت رئيسة الاتحاد الوطني للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة الذهنية: “في بعض الحالات يضطر كلا الوالدين للعمل، وتأجير مساعد أو مساعدة اجتماعية لرعاية أبنائهما؛ ما يطرح صعوبات كبيرة أمامهما في تأمين أجرة هذا المساعد أو المساعدة، في ظل هشاشة الدعم المالي المباشر الممنوح لهما”، وأشارت إلى أن “الأشخاص ذوي الإعاقة يجدون صعوبة في التأقلم بسبب عدم احترام خصوصياتهم من خلال الالتزام بالتربية الدامجة”، وزادت: “عندما يصل المنتمي إلى هذه الفئة إلى سوق الشغل قد تكون له مردوية ناقصة؛ وهنا لا نجد أن القانون أو السياسات الحكومية المتبعة في هذا المجال توضح من سيغطي هذه المردودية”.
وبخصوص بطاقة “شخص في وضعية إعاقة” أكدت المتحدثة عينها أن “إخراجها مهم، لكونه سيمكن من حصر أعداد المنتمين إلى هذه الفئة وطبيعة انتشار أنواع الإعاقات والسياسات التي يجب أن تُتبع للنهوض بوضعيتهم”، مستدركة: “غير أنه على مستوى فاعليتها نسجل أنه من غير الواضح إلى حدود الساعة سلة الخدمات التي سوف يستفيد منها حاملو هذه البطاقة؛ فإن لم تكن هذه الخدمات فلا جدوى منها في نهاية المطاف”.
مستقبل دعم التمدرس
ميسور منير، رئيس الجامعة الوطنية للعاملات والعمال الاجتماعيين، قال إن “الملك محمدا السادس أولى عناية كبيرة للأشخاص في وضعية إعاقة، فيما حمل دستور 2011 عددا من المكتسبات لفائدتهم”، مردفاً بأن “وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي اتخذت بدورها خلال السنوات الأخيرة عدة إجراءات للنهوض بوضعية المنتمين لهذه الفئة، من شأنها تمكينهم من الولوج إلى حقوقهم الأساسية من التربية والتعليم والرعاية والوقابة الصحية، وكذا التكوين والإدماج المهني”.
ولفت ميسور، في تصريح لهسبريس، إلى أن “إحداث صندوق دعم التماسك الاجتماعي في مجال الإعاقة، وكذا بطاقة ‘شخص في وضعية إعاقة’، من التدابير المثمّنة، إلا أن مجموعة من الإشكالات سوف تهدد بإعاقة فعالياتها ونجاعتها”، مبرزا أن “صندوق دعم التماسك الاجتماعي الذي يقوم بدعم تمدرس ذوي الإعاقة من خلال صرف مبالغ الدعم للجمعيات العاملة في هذا المجال تقول الوزارة إنه سيتم إدماجه في إطار منظومة الحماية الاجتماعية خلال الموسم الدراسي 2025/2026، ما يطرح تساؤلات بشأن إمكانية توقفه عن تقديم هذا الدعم”.
وأبرز المتحدث عينه أن “إيقاف الدعم المخصص للجمعيات من قبل هذا الصندوق سيعني تشريد أزيد من 8 آلاف عامل وعاملة اجتماعية، وإيقاف تمدرس أكثر من 30 ألف طفل، بما يشكل حرمانا لهم من أحد حقوقهم الأساسية”، مفيدا بأن “التنظيمات الأربع سالفة الذكر تعول بقوة على لقاء مرتقب لها مع الوزيرة الجديدة نعيمة ابن يحيى من أجل العمل على استمرار الصندوق في دعم الجمعيات”.