أخبار عاجلة

"الإسلاموفوبيا" ومقاربة المواطنة الدامجة والجامعة

"الإسلاموفوبيا" ومقاربة المواطنة الدامجة والجامعة
"الإسلاموفوبيا" ومقاربة المواطنة الدامجة والجامعة

يكاد الترهيب ضد المهاجرين والمسلمين بشكل خاص في الفترة الأخيرة، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، بدافع من العداء المؤسسي أو الإيديولوجي أو السياسي، يتجاوز إطار النقاش والتداول إلى عنصرية بنيوية وثقافية. وهذا يحتم مناقشة ظاهرة ما يسمى بالإسلاموفوبيا وتأطيرها بسؤال أساسي هو كيف نجنب أوروبا، الغرب والعالم بأسره، الوقوع في فخ صدام الحضارات، كما وصفه هنتنغتون. ونعزز التخلق والتعايش الاجتماعي من جديد.

الإسلام والغرب تعرضت إلى أدلجة مهووسة ومبالغ فيها إلى درجة ضرورة إعادة النظر فيها لتوضيحها من جديد, وتقديمها بعيدا عن المؤثرات والصور التمطية التي قدم بها الإسلام والغرب أو الفهم الذي يمتلكه كل طرف عن الآخر، وبعيدا عن القراءات السطحية للمسلمين بالغرب والتي تحصر تفسها في جعل الإسلام والمسلمين قطبا جغرافيا سياسيا مهددا له والتي تتعمق مع مجريات الوضع الدولي المعقد والمرحلة الصعبة التي يمر منها العالم الإسلامي والغرب، والصعوبات الكبيرة في فهم بعضهما البعض. وذلك من خلال إيجاد قيم جديدة تساعد على تحديد قواعد تعايش جديدة. ومختلف الأزمات (الاعتداءات المتنامية ضد المسلمين، من جهة، والهجمات الإرهابية من جهة ثانية) تشكل جميعها لحظات صعبة للغاية بالنسبة للغربيين وأيضا للمسلمين الذين يعيشون هناك. وتجعلنا أمام الحقيقة المرة التي وجب تقويضها وهي فشل مشروع تعايشنا ومشروع مشتركنا الإنساني وزخمه الثقافي والحضاري.

مشكلة تشخيص الظاهرة:

بداية لابد أن نتوقف عند أمر هام، فتسمية الظاهرة بالإسلاموفوبيا التي تعني الخوف من الإسلام، لا تناسب التشخيص الواقعي للظاهرة، فنحن لسنا أمام خوف من الإسلام الذي عمر لقرابة 15 قرنا، بل أمام تخويف منه.

النظر إلى الظاهرة من حيث كونها تتعلق بالتخويف من الإسلام وليس بالخوف منه، يميط اللثام عن بعض القوى الغربية التي تستثمر في نشر الخوف من الإسلام، والتي تكون مدفوعة بحسابات سياسوية تكون الانتخابات المناسبة التي تكشف النفاق السياسي الكبير في التعامل مع الإسلام والأقليات المسلمة.

أما الحديث عن الاسلاموفوبيا فهو يجعل الإسلام هو مصدر الخوف وليس بعض المقاربات الإعلامية النمطية الغربية المنحازة ضد الإسلام والمسلمين، والمشاريع السياسية المتطرفة التي تستثمر في نشر الكراهية لبلوغ أهدافها السياسية المتطرفة، وهذا لا يعني أن بعض المسلمين لا يرتكبون جرائم وأخطاء فادحة، بل يعني فقط أن التشخيص ينبغي أن يكون علميا يستطيع أن يفسر انتشار ظاهرة كراهية الإسلام والتخويف منه حتى قبل وقوع الأحداث الإرهابية وفي مجتمعات لم تعرف مثل تلك الأحداث.

التخويف من الإسلام والمسلمين كإيديولوجية سياسية لتغطية العجز السياسي عن حل مشاكل المجتمعات الغربية:

بالموازاة مع توالي الهجرات في كثير من الأقطار الغربية عموما نمت بعض ظواهر التخويف من الإسلام والمسلمين، مثل الخطاب السياسي لليمين المتطرف الذي يسعى بشكل حثيث إلى استثمار بعض الازمات الاقتصادية أو السياسية لنشر الكراهية ضد المهاجرين، وضد الإسلام والمسلمين بالخصوص. مثل الأزمة المالية التي اندلعت مع 2007، ثم الوضع الدولي المترتب على هجمات 11 سبتمبر وما عرفه من خطاب إعلامي معاد للإسلام.

وكانت النتيجة الكبيرة هي خلق تماهي بين الواقع الاجتماعي في الغرب وما يميزه من مشاكل الهوية والاندماج، خاصة بالنسبة للمسلمين والمهاجرين ذووا الاصول الاسلامية، ومبادئ وقيم الإسلام.

وفي ضوءِ هذه العوامل، نشأ شعور عنصري مناوئ للمسلمين والمهاجرين وللإسلام، أذكاه الجهل المستحكم بخصوصيات المجتمعات الإسلامية لدى فئات واسعة من المجتمعات الغربية، ودمور دور النخبة العلمية، خاصة في مجال السوسيولوجيا، وبروز خطاب محرض لدى بعض وسائل الإعلام يتسم بالتهافت والجهل بواقع المجتمع الهجروي، والذي يقدم الأحداث والظواهر من منظور أحادي ضيق يجعل الإسلام هو المتهم الأول والأخير في كل ذلك.

لقد تحول التخويف من الإسلام والمسلمين إلى أيديولوجية سياسية لدى اليمين المتطرف، عوض بها عجزه عن إيجاد رؤية سياسية واجتماعية وتنموية تستوعب التعدد الثقافي، وتحول ظاهرة الهجرة إلى فرصة اجتماعية واقتصادية لتعزيز مسار النمو والتقدم.

لقد سعت الأحزاب اليمينية المتشددة و”الشعبوية” إلى استثمار المناخ واللحظات الصعبة كما بعد الهجمات الإرهابية في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وتوظيفه لغايات انتخابية، فظهرت شعارات تروم تعبئة الخوف لدى المجتمعات الغربية من الإسلام والمسلمين، مثل الحديث عن “أسلمة أوروبا” و”التهديد الإسلامي الخفي”، وغير ذلك من الشعارات التي وفرت لليمين المتطرف خطابا شعبويا غطى به ضعف خطابه السياسي ومحدودية البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها.

وأمام عجزه عن إيجاد حلول لمختلف الأزمات، وخاصة الاقتصادية منها، وجد اليمين المتطرف مسجاب تعليق مشاكل المجتمعات الغربية في الهجرات القادمة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، واعتبرها السبب الرئيسي للأزمة ضد الحقيقة التاريخية التي تؤكد أن الهجرة كانت وما زالت عامل النهضة الأوروبية والغريبة الأساس.

وضل الخطاب الشعبوي لليمين المتطرف يروج لمقولات تبسيطية زائفة مثل أن هؤلاء المهاجرين باتوا يزاحمون الأوروبيين الأصليين في الحصول على فرص الشغل، ويكلفون الميزانية العمومية نفقات باهظة، وفي نفس الوقت يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية عبر استثمار ما يجنونه في المهجر.

كما تم استثمار بعض التداعيات السوسيواقتصادية لبعض السياقات الاقليمية بشكل غير إنساني وإقصائي، مثل موجات اللجوء الكبرى القادمة من سوريا والعراق ودول آسيوية عام 2016، وتصاعد خطاب الكراهية العنصري وتنامي الاستقطاب المجتمعي الذي شهدناه في هولندا مؤخرا وتناسل الهجومات العنصرية على المغاربة والمسلمين عموما.

وكان من بين تداعيات الانتشار الواسع للخطابات اليمينية المتطرفة تنامي بعض أعمال العنف والعداء ضد المسلمين والعرب وفي حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية والغربية كما حدث في ابريطانبا في الأشهر الأخيرة.

هذا التنامي السرطاني للتطرف اليميني في الساحة السياسية شكلت واقعا سياسيا أصبح يمثل تحديات سياسية للأحزاب الحكومية، مما دفع بعض الحكومات إلى مسايرته، بل ومحاولة المزايدة عليه بقوانين تحد من الحريات الدينية للمسلمين. ونجد ذلك قي بعض التشريعات، وفي بعض الإجراءات التي استهدفت المجتمع المدني للجاليات الإسلامية، واستهدفت المساجد وأئمتها، واتجهت إلى محاولة فصل الجاليات المهاجرة عن أصولها في تناقض للقواعد القانونية المؤسسة للتعايش بين الأقليات الدينية. وكل هذه الديناميات إنما تصب الزيت على نار إشكالات الهوية والاندماج، وسوف تؤدي إلى تفاقمها.

المركزية الثقافية: L’ethnocentrisme

لقد بات النقاش حول الإسلام قاسيا ومؤلما، وتراوح الخطاب في هذا النقاش عن هذا الإسلام “المهاجر” بين الرفض التام، مدفوعا بالجهل وعدم المعرفة، وبين القبول الحذر، استجابة لشعارات التعددية الثقافية.

لكن ذلك لم يخف تلك المقاربات النمطية في مقاربة الإسلام في بعض الأحيان والتي تدوس على كل قيم الحريات والحقوق لتكشف عن مركزية ثقافية حيث الـ “نحن” تجسد العقلانيّة، والحضارة، في مقابل الـ “هم” تجسد رمز البدائية والتخلف…

ويمكن أن نسجل في إطار ما تفرضه هذه المركزية الثقافية مجموعة من الملاحظات السريعة، أهمها:

زعم استحالة التعايش:

إن أخطر ما يتم الترويج له لبناء عقلية غربية إقصائية متجذرة هو الزعم باستحالة تعايش الإسلام مع الإرث الغربي اليهودي – المسيحي، وذلك في تجاهل تام للمبادئ التي اسست عليها الدولة المواطنة l’Etat Nation وزخم التاريخ الإسلامي الحبلى بقيم التسامح والتعددية الثقافية والدينية. ولا يحتاج هذا الزعم لكثير جهد لدحضه، ذلك أن تاريخ الإسلام مع احترام المعتقدات الدينية المخالفة معروف، وتعايش المسلمين مع غيرهم قد سجل صورا رائعة عبر التاريخ.

وإذا كان ثمة صعوبات في تعايش بعض المسلمين مع المجتمعات الغربية فذلك يتعلق بتجربة مواطنين فشلوا في الاندماج في مجتمعات الهجرة، وتكون لسياسات الدول المستقبلة حول الهجرة مسؤولية كبيرة في ذلك.

بين الاسلام المهاجر والإسلام المواطن:

على مدى أكثر من قرن من تاريخها عرفت الهجرة في الدول الغربية تحولات عميقة. فالمهاجر لم يعد ذلك الشخص الذي جاء من أوساط الطبقات الاجتماعية الدنيا بحثا عن عمل، ويناضل من أجل استكمال حقوقه السياسية والاجتماعية، بل يتعلق بأجيال من مواطنين ولدوا في البلدان الغربية، وأصبحت لهم مواطنة كاملة تضمن لهم الحقوق والحريات التي نصت عليها القوانين والدساتير كاملة غير منقوصة.

إن جيل الآباء المهاجرين عندما وصلوا إلى “الأرض الموعودة”، وجدوا صعوبة في التكيف مع نمط الحياة الغربية، ومع قيم هذه الحياة الأسرية والأخلاقية التي لم يألفوها وعاشوا حالة صراع نفسي وسلوكي واجتماعي بين التمسك بقيمهم الدينية المحافظة من جهة، وبين ضغوط القيم الغربية السلوكية والمختلفة الجديدة غير الدينية من جهة ثانية، فآثروا الانعزال في أحياء خاصة، أملا في حماية هذه القيم الدينية والثقافية.

إنه لا يمكن نكران قيام ما يشبه “غيتوهات سيكولوجية وثقافية” “إسلامية” في بعض البلدان الأوروبية بل هذا يجسد فشل سياسات الهجرة في مساعدة تلك الأجيال عن الاندماج، وكرد فعل نفسي وثقافي عن النظرة السلبية الغربية إليهم وإلى عاداتهم وطريقة عيشهم.

اليوم نحن أمام أجيال من المهاجرين أوروبية المنشأ. وينبغي للنقاش ان يركز على إيجاد حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية للشباب تناسب التحولات العميقة التي تعرفها الهجرة. وهي تحولات تتطلب سياسات عمومية مبنية على أسس علمية، من جهة، وتعيد النظر من جهة أخرى في تمثل الإسلام في البيئة الغربية، وتحريره من الثقافات الأصلية التي تمس جوهره الديني، ما يعني التفكير في إسلام مواطن، يجمع بين صفاء المصدر الديني وتمثل القيم المجتمعية الغربية التي لا تتناقض مع جوهره.

التوظيف السياسي للإسلاموفوبيا:

أتاح هذا الوضع المعقد في أوروبا، حيث لا يمكن العودة إلى الوراء ولا يمكن التراجع عن الحاجة إلى اليد العاملة المهاجرة، صعود قوى اليمين المتشدد في بلدان أوروبية عدة، تشهر العداء للمسلمين، وتعتبرهم تهديدا اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا لأوروبا. لكن هذا اليمين واجه في الوقت نفسه اتجاهات سياسية واجتماعية وفكرية أوروبية تطرح مواقف ترفض تحويل المسلمين إلى مصدر خطر اجتماعي واقتصادي وثقافي.

الثقة في الأجيال المسلمة المواطنة كمدخل حيوي للعيش المشترك:

إن تعميم الصورة النمطية السلبية على كل المسلمين المهاجرين يضعف الأجيال الأوروبية والغربية منها في أن تقوم بأدوارها في خلق سياقات سوسيوثقافية مندمجة. وتعتبر الثقة في تلك الأجيال مدخلا حيويا لإرساء أسس جديدة تستوعب التعدد الثقافي على أساس من الإعتراف، والاحترام، وعلى أساس من الحوار المتواصل حول المواطنة الجامعة، من أجل التمكين لإسلام مواطن (أوروبي، أمريكي، …) يكون أبطالها نخب المجتمع، وفي هذا السياق يمكن اعتبار المواطنة الحقة إطارا يوفر حلولا جوهرية تنبني على قيم التعايش والتسامح.

وما سبق يفرض الحذر من الخلط بين الإسلام والإرهاب والذي يصب في حساب للمتطرفين من الجانبين لكسر الثقة كأساس قيمي واجتماعي للعيش المشترك .

إن الغرب مطالب بفتح حوار مجتمعي جديد، تلعب فيه النخب الجديدة من المسلمين أدوارا ريادية، ويفسح المجال لبث الثقة في تلك الأجيال، ويكسر الجدران التي بنتها الاسلاموفوبيا بين الإسلام والمجتمعات الغربية، ويوقف التقاطب وهدر الطاقات وتهميش الرأسمال البشري الكبير من الشباب المسلم بالغرب، والذي يساهم بشكل ملموس وفعال في بناء أوطانهم في المهجروفي بلدانهم الأصلية، دون الخوف من الانفصال القيمي عن أصولهم التاريخية والثقافية.

إنه حان الأوان لوقف أعمال تكسير الثقة في أجيال المسلمين المهاجرين، ووقف خطابات الخلط بين الإرهاب والإسلام، ووقف آلة التنميط الخاسرة وكل الأعمال والمشاريع التي تدفع بالشباب نحو العزلة داخل المجتمعات الغربية، وتساهم بشكل فعال في تقوية فرص انتشار قيم التطرف و الإرهاب المناقضة للإسلام السمح…

مهمتنا باعتبارنا مختصين أو سياسيين ومثقفين تكمن في البحث عن إمكانات آفاق جديدة واعدة. وهذه الإمكانات موجودة، فقد أظهرت لقاءات التضامن بعد كل أزمة، إرادة جماعية للعيش المشترك، ولعدم الوقوع في فخ التفرقة والانقسام الاجتماعي والاستقطاب.

وهنا ينبغي على المثقفين أن يكونوا مترجمين لمختلف المشاعر والقيم الثقافية، ومن المحزن جدا، أنْ نرى أن أولئك الذين يملكون سلطة الكلمة، يستخدمونها في نوع من الاحتراب المدمر.

وختاما لابد من الإشارة إلى أن العلمانية بالغرب ليست حاجزا لبث العزلة الاجتماعية، ولا عاملا يدفع الناس للخروج من المجتمع ويجعلهم يشعرون بالغربة وسطه، لأنه إذا كانت العلمانية لا تستوعب إلا غير المسلمين، فإنها حينها تكون هي نفسها مشكلة بالتأكيد.

إنه لا ينبغي تحويل العلمانية إلى قيم للفرز الاجتماعي داخل الوطن الواحد، وينبغي بالمقابل اعتبارها مبدأً يوفر إطارا آمنا لجميع المواطنين كي يتعايشوا داخله بسلام. مبدأ ينشئ فضاء يسود فيه قانون يحمي الجميع، يتم فيه التمكين لقيم الحوار والاعتراف بالاختلافات وتقبلها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق علي حجي: مهرجان مراكش يحتفي بالإبداع ويرسخ مكانة المغرب كأرض للسينما
التالى «خبراء الضرائب»: 6 مقترحات لحل أزمة المصانع المتعثرة