بإيقاع متسارع نحو تفعيل التوجهات الملكية في ما يخص “عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، يسير الطموح الحكومي الذي تجسد في مخرجات اجتماع لجنة القيادة المكلفة بتتبع الاستثمارات في هذا المجال الطاقي الواعد، مع دلالة لافتة تتعلق بأن أول المشاريع المنتقاة في هذا الصدد تتوطن بالصحراء المغربية.
وعرف الاجتماع المنعقد بحر هذا الأسبوع، ”الانتقاء الأولي لمجموعة من المشاريع، تغطي أساسا الجهات الثلاث للأقاليم الجنوبية للمملكة (كلميم واد نون، العيون الساقية الحمراء، الداخلة وادي الذهب)، حيث سيتم تعميق النقاش بهذا الشأن مع حاملي المشاريع”، وفق بلاغ رسمي.
كما تميز الاجتماع، حسب المعلن من لدن رئاسة الحكومة، بـ”تدارس الإطار التعاقدي المتعلق بالوعاء العقاري العمومي المخصص لإنجاز هذه المشاريع، وكذا الآليات الكفيلة بحسن استخدامه”، موضحة أن ذلك جاء “تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، الرامية إلى الإسراع بتنزيل [عرض المغرب] في مجال الهيدروجين الأخضر بالجودة اللازمة، والاستجابة لحاملي المشاريع الوطنيين والدوليين في هذا المجال الواعد”.
وكانت اللجنة قد ناقشت في اجتماع سابق “المنهجية المعتمدة في تقييم واختيار عروض المشاريع التي توصلت بها الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن)”، معلنة أن “عددها بلغ 40 طلب مشروع تقدم بها حاملو المشاريع (مغاربة وأجانب)، يرغبون في إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، سواء كان موجها للسوق الداخلية أو للتصدير أو لكليهما معا”.
وتحرص اللجنة التي حضر اجتماعها وزراء القطاعات الحكومية المعنية (الداخلية، الاقتصاد والمالية، التجهيز والماء، الصناعة والتجارة، الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية)، فضلا عن طارق مفضل، الرئيس المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن)، على ضمان نجاح تنزيل “عرض المغرب”، تنفيذا لتوجيهات الملك، عبر الاتفاقيات-الإطار للاستثمار التي تجمع بين الدولة وحاملي المشاريع، والتي تتضمن بنودا تتعلق بمواعيد الاجتماعات حرصا على التقييم المنتظم للتقدم المحرز في تنفيذ مشاريع الهيدروجين الأخضر.
دبلوماسية طاقية
عبد الصمد ملاوي، خبير دولي في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، وضع سياق الاجتماع المنعقد بالرباط (يوم 24 أكتوبر 2024) ضمن عمل لجنة القيادة المكلفة بـ”تسريع تنزيل جميع البرامج المتعلقة بالهيدروجين الأخضر، على الخصوص، لتعزيز الانتقال الطاقي الذي رسمه المغرب، خصوصا تحقيق أهداف إنتاج كهرباء نظيفة، أو وفاء منه بالتعهدات المناخية التي التزم بها في قمم المناخ والتنمية المستدامة”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس، أكد ملاوي أن الأمر يتعلق بـ”لقاء عادي في سياق استثنائي”، مشيرا إلى دلالاته التي تستبق حلول الرئيس الفرنسي ماكرون والوفد الرسمي المرافق له بالمغرب في إطار زيارة عمل بأجندة اقتصادية كبيرة لن تخلو المشاريع الطاقية الكبرى منها، لا سيما أن المشاريع الأولية المنتقاة تغطي مناطق الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية”، مذكرا بالقرار التاريخي لفرنسا الاعتراف بالسيادة المغربية.
وقال بهذا الشأن: “لا يجب نسيان أن الأوروبيين، والفرنسيين خصوصا، مهتمون جدا بالطاقات المتجددة المغربية وتخزينها نظرا لكلفتها المنطقية وتوفرها بشكل كبير عبر محطات ريحية ضخمة وحقول طاقة شمسية شاسعة في أقاليم الصحراء المغربية”، لافتا إلى أن مشاريع الهيدروجين الأخضر “تداخل فيها الرهان الاستثماري بتحقيق ما يعرف بالدبلوماسية الطاقية”.
وتابع الخبير الطاقي شارحا أن ذلك “يأتي في إطار سلسلة العمل على [عرض المغرب] الذي يمتد على 6 مراحل متكاملة”، معتبرا أن العمل في المرحلة الأولى يتقدم بخطى حثيثة بعد استقبال وتقييم طلبات العروض قبل المرور إلى التخطيط والإعداد، بما في ذلك دراسة الجدوى وتحديد الأهداف، وكذلك تحديد خريطة زمنية، فضلا عن الميزانية المرصودة، وتدارس توفير الوعاء العقاري العمومي اللازم”.
وشدد ملاوي على أهمية مخرجات الاجتماع المذكور، لأنها “تستبق تنفيذ المشاريع، بما في ذلك جميع المنشآت المخصصة للإنتاج والاستثمار في الهيدروجين الأخضر”، ضاربا المثال بـ”تطوير سلسلة القيمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر انطلاقا من الإنتاج إلى التصدير وتنفيذ الاستثمار النهائي”.
وختم بالإشارة إلى أن “المشاريع المنتقاة ستكون مستجيبة لمعايير مراحل التشغيل والصيانة، بما في ذلك تشغيل المنشآت بكفاءة عاليه وضمان الاستدامة باحترامها القوانين البيئية مع ضمان صيانة دورية لاستمرار العمل”.
أهمية استراتيجية
علق محمد بوحاميدي، خبير في الطاقات المتجددة، بأن “تغطية المشاريع المنتقاة في إطار عرض المغرب للهيدروجين الأخضر تتماشى مع أهداف المملكة الجيو-استراتيجية بضمان انفتاح الصحراء المغربية على العمق الإفريقي، فضلا عن الربط الطاقي المرتقب مع دول في أوروبا (مثال مشروع الكابل البحري للطاقة الكهربائية النظيفة انطلاقا من جهة كلميم واد نون)”.
واستحضر بوحاميدي، متحدثا لهسبريس، كون “المغرب منذ إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية سنة 2016 كان قد بدأ التفكير العملي في كيفية الاستفادة من المؤهلات الطاقية والمخزونات الكبيرة المتوفرة من طاقة الرياح والشمس على امتداد السنة”، معتبرا أن “المغرب نجح عبر الرؤية الملكية لعرض المغرب للهيدروجين الأخضر من إقناع مستثمرين في قطاع الطاقات المتجددة بالاستثمار في هذا المجال الواعد مع تكلفة إنتاج منخفضة وتوفير يد عاملة مؤهلة تستفيد من نقل تكنولوجيا تشغيل الهيدروجين”.
ولفت بوحاميدي إلى أن “إشكالية التخزين للطاقات المتجددة النظيفة يمكن للهيدروجين الأخضر أن يوفر حلولا لها، سواء بالنسبة للناقلين أو المنتجين والموزعين في قطاعات الطاقة”، معتبرا أن “المشاريع المنتقاة ستضمن تشجيع الاستثمار الطاقي الذي بدأ منذ سنوات في الأقاليم الجنوبية للمغرب عبر توفير منصة لوجستية مرتبطة بميناء الداخلة الأطلسي، فضلا عن محطات طاقية ومناطق للتسريع الصناعي”.