أثار حديث وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، عن “العلمانية” وتصوره لها، في لقاء جمعه بوزير الداخلية الفرنسي على هامش الزيارة التي قادت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، موجة من الردود المتباينة، خصوصا عند إشارته إلى أن المغاربة علمانيون.
وأحدثت التصريحات التي شهدتها جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب خلطا كبيرا لدى الرأي العام الوطني، فيما أوضح المسؤول الحكومي، في تصريح خص به الجريدة اليوم، فحوى النقاش الذي جمعه بوزير الداخلية الفرنسي بشكل أكبر.
وقال التوفيق: “مخاطبي الوزير الفرنسي هو الذي قال لي ونحن نتحدث عن الإسلام في فرنسا: أتفهم أنكم تستغربون علمانيتنا (Je comprends que notre laïcité vous étonne)، فأجبته: نفهم علمانيتكم ولا نستغرب لها لأننا علمانيون، بمعنى أننا نعيش حرية التدين، إذ لا إكراه في الدين في الإسلام، فالدين يمارس على أساس الحرية”.
وأضاف المسؤول الحكومي المغربي مجيبا الوزير الفرنسي: “الفرق بيننا وبينكم أمران: الأول أنه ليست لدينا قوانين تفرض الفصل بين الدولة والدين من حيث المؤسسات، كما تنص على ذلك عندكم تشريعات 1905، والثاني أن نظام إمارة المؤمنين عندنا يقوم على الاستجابة لمطالب الناس حسب الالتزام في البيعة بالكليات الخمس؛ وأولاها حفظ الدين، فالدين هو الحاجة الأولى قبل الحاجات الأخرى التي تستجيب لها إمارة المؤمنين بكل لوازمها. وحتى من منظور الديمقراطية فإن واجب الدولة أينما كانت هو أن تنصت للناس وتلبي رغباتهم بحسب الأولويات؛ ولكن الملابسات التاريخية هي التي تأتي بالفوارق بين البلدان على أساس تجاربها السالفة. ولعل هذا الفصل عندكم وعند غيركم مجرد مرحلة تاريخية”.
وفي تعليقه على الموضوع الذي جر على الوزير انتقادات واسعة، خاصة من طرف الإسلاميين، قال المحلل السياسي محمد شقير إن “الوزير أفصح عن محادثات مع وزير الداخلية الفرنسي كان من الممكن أن يتجنب الحديث عنها؛ خاصة أنه استعمل كلمة علمانية، التي تعتبر ضمن الكلمات الملتهبة، خاصة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الدينية”.
وأضاف شقير، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أتباع حزب العدالة والتنمية تلقفوا كلام الوزير ليشكلوا منه مادة للجدل الشعبي وإثارة للاختبار السياسي والظهور بمظهر الدفاع عن المعبد، وهم يعلمون تمام العلم أن العلمانية التي قصدها الوزير تختلف عن العلمانية التي تنهجها فرنسا، التي تقوم على الفصل بين السياسة والدين”.
وتابع المحلل السياسي ذاته بأن “ما قصده التوفيق هو الإشارة إلى أن المغرب ينتهج إسلاما وسطيا ومعتدلا يقوم على السماح بحرية الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية بالنسبة للمسلمين بدون تعصب أو إكراه؛ ما دام يسمح بارتياد الحانات وتصنيع الخمور، بالإضافة إلى السماح لليهود ومعتنقي باقي الديانات الأخرى بممارسة طقوسهم الدينية في الكنائس ومقرات العبادة الأخرى”.
وخلص شقير إلى أن “ما أثير من جدل حول ما دار في البرلمان يبقى من باب المزايدة والإثارة الإعلامية، في وقت كان المفروض أن ينصب النقاش حول سياسة المملكة في التأطير الديني لجالياتها، خاصة بأوروبا، وبالأخص بالنسبة للجيل الثالث والرابع لهذه الجالية، وفي ظروف تتميز بخطر التطرف والمنافسة الدينية بين دول إسلامية، بما فيها الجزائر، والتساؤل عن مقومات الإستراتيجية الدينية للمغرب مستقبلا، والإمكانيات البشرية واللوجستيكية التي سترصد لهذا الغرض، وما إذا كان من الممكن تطوير صيغ التأطير الديني المتبعة إلى حد الآن”.
أما عبد الله بوشطارت، دكتور في التاريخ وباحث في الثقافة الأمازيغية، فاعتبر أن “ما صرح به وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في البرلمان بخصوص العلمانية والإسلام المعتدل صحيح ويجسد حقيقة التدين المغربي”، مؤكدا أن “الوزير متمكن جدا مما يقول، فهو مؤرخ وأديب ومفكر، ويقصد فعلا العلمانية المغربية المتجذرة في المجتمع المغربي منذ القدم”.
وأفاد بوشطارت، ضمن تصريح لهسبريس، بأن “الوزير التوفيق في كلامه لا يقصد بالضرورة العلمانية كمفهوم تطور في السياق الأوروبي؛ فالعلمانية هي نتاج أمازيغي خالص، مارسها الأمازيغ منذ القدم، سواء قبل وصول الإسلام أو بعده، لأن الأمازيغ دائما يفصلون بين الشأن الديني والشأن السياسي في حياتهم اليومية”.
وزاد الباحث ذاته مبينا أنه “داخل المجتمع الأمازيغي ‘الطالب’ أو ‘الفقيه’ لا يتدخل نهائيا في شؤون الناس وحياتهم الاقتصادية والاجتماعية، فالقبيلة لها مؤسساتها السياسية، مثل أمغار أو مجلس آيت مراو أو آيت ربعين، ويتم انتخاب أعضائها ولا يتدخل فيها ‘الطالب’ أو ‘الفقيه’ بأي شكل من الأشكال، بل يمنع عليه ذلك”.
وفي المقابل يورد المتحدث أن عملية “الشرط” هي استقدام “فقيه” لتولي المهام الدينية داخل المسجد، أي إقامة الصلاة والأذان وتعليم الأطفال، و”لا يتدخل إطلاقاً في أمور الزراعة والرعي أو الماء أو التجارة أو في أي قضية خارج المسجد/ تيمزگيدا، لأنها أمور محفوظة لمؤسسات ‘الجْماعتْ’…”، مردفا: “هذا هو جوهر العلمانية الأمازيغية التي مارسها المغاربة منذ القدم، قبل أن تظهر في السياق الأوروبي بعد عصر النهضة”.
ولم يقف بوشطارت عند هذا الحد، بل ذهب إلى القول إن “أدبيات الحركة الأمازيغية تقول بالإسلام الأمازيغي الذي يتأسس على الوسطية والانفتاح والاعتدال واحترام أشكال التدين المجتمع المغربي وخصوصياته، كالاهتمام بالولاية والصلاح والبركة وانتشار الطرق الصوفية والزوايا”، مبرزا أن “هذا ما يقصده الوزير التوفيق بالعلمانية؛ فالمغاربة هم الذين أنتجوا المفهوم قبل فرنسا”، وفق تعبيره.