لم يكد يمر أسبوع حول موجة انتقاداتٍ في الأوساط التربوية وغيرها قابلت عجزَ محمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، عن تقديم إجابة شفهية واضحة عن تساؤلات طفلة برلمانية بشأن خُططه للحد من التداعيات السلبية لتوظيف الذكاء الاصطناعي من قبل التلاميذ على جودة أدائهم المعرفي وتحصيلهم الدراسي، وتفضيله مد المعنية بإجابةٍ كتابية؛ حتى تجدد جدل “عدم قدرة الوزير ذاته عن الإجابة شفهيا والتفاعل مع تعقيبات وتساؤلات نواب الأمة” في جلسة عمومية للأسئلة الشفهية مساء اليوم الاثنين 25 نونبر؛ ما جر احتجاجات قوية من المعارضة.
وقبل جواب الوزير عن ثاني الأسئلة المبرمجة في قطاعه لجلسة اليوم الاثنين بشأن “الزيادة في رسوم التسجيل والدراسة بالمدارس الخصوصية”، تدخلت مليكة الزخنيني، نائبة برلمانية من الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، ضمن “نقطة نظام”، قائلة: “إننا هنا في جلسة الأسئلة الشفوية ليُجاب عليها وليس للوعد بأن تُجاب كتابة، إذ يَكْفينا الانتظار بالنسبة للأسئلة الكتابية…”؛ وهو ما تكرر على لسان سعيد بعزيز، زميلها في الفريق ذاته.
وبنبرة غاضبة، قال بعزيز في رد قوي وانتقاد مباشر بحضور محمد سعد برادة وأعضاء من الفريق الحكومي: “حينما نَسمع من الحكومة بأن الرد على التعقيبات سيأتي كتابة نعتبر هذا غيابا مُقنعا، وأن حضورهم هنا غير ذي جدوى، مثلهم مثل الوزراء الغائبين عن الجلسة.. نَحضر هنا من أجل الاستماع بشكل مباشر لأجوبة الوزراء.. ما وقع مع البرلمانيين الأطفال لا نريده أن يتكرر خلال هذه الجلسة.. نريد أجوبة حالا السيد الوزير على تعقيبات النواب، ونحن هنا من أجل أن نتلقى الجواب بشكل فوري”.
جاء هذا إثر رد مقتضب من وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي، حينما اكتفى بالقول: “استمَعتُ لهذه التعقيبات باهتمام، وإن شاء الله نْدرسوها ونجاوْبكم فأقرب وقت”، وذلك جوابا عن تعقيبات نواب انتقدوا سؤالا حول “أوضاع مُربيات التعليم الأولي”، حسب ما تابعته هسبريس.
وواصلَ المسؤول الحكومي ذاته “عدم القدرة عن الأجوبة”، فيما بدا عليه الارتباك بشكل ملحوظ وهو يحاول التفاعل مع انتقادات النواب التي حاصرته خصوصا بالنسبة لقضايا مثيرة للجدل وتهم مباشرة تدبيره للقطاع، لا سيما النهوض بالتعليم الأولي والتمدرس في القرى، وإشكالية الزيادة في رسوم التمدرس والتسجيل في المدارس الخاصة بالمغرب.
وفي هذا الموضوع الأخير، اكتفى الوزير برادة بالقول إن “المتمدرسين في القطاع الخاص يشكلون 13 في المائة من عدد التلاميذ الإجمالي في المغرب”، مفسرا الزيادة في رسوم المدارس الخصوصية بأن الأخيرة تقوم بعدد من الخدمات (منها النقل المدرسي الإطعام الحراسة والأنشطة الموازية..) ما يفسر حجم وقيمة الرسوم.
“قانون التعليم الخصوصي لا يسْمح لنا كوزارة بالتدخل أو تقنين الرسوم والواجبات”، قال الوزير مُلقيا جوابه عن السؤال، قبل أن يزيد: “ولكننا يمكننا التدخل بطرق غير مباشرة بين المدارس والأولياء من خلال لجان مراقبة إدارية وتربوية، مع وضع عقد نموذجي يحدد التزامات كل طرف وتوضيح العلاقة بينهما”.
ولم يُقنع هذا الجواب النائبة واضعة السؤال من الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي، التي ردت بأنه “لا يستقيمُ الزيادة في رسوم التسجيل والتمدرس في ظل ظرفية صعبة اقتصاديا على الأسر مع غلاء الأسعار”، داعية الوزير إلى “عدم تعقيد مهمة استفادة أبناء تلك الأسر من حق التعليم الذي يعد حقا دستوريا متاحا للجميع، وفرض رقابة صارمة على بعض المؤسسات للتأكد من التزامها بالقوانين، وليس من المقبول ترك الأسر وحدها، مع الرفع من جودة التعليم في مدارس عمومية”.
من جهته، تدخل محمود عبا، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، في تعقيب على جواب الوزير في موضوع “تعميم التعليم الأولي بالقرى”، قائلا إن “”الهدف الذي يجب أن تعمل عليه الحكومة لا يقتصر على فتح الأقسام وتسجيل الأطفال؛ بل توفير عرضٍ تربوي ينعكس على مسار الأطفال مستقبَلا تماشيا مع خارطة الطريق لإصلاح منظومة التعليم، حيث ما زلتم تُركزون على المدن الكبرى بعيدا عن العالم القروي فضلا عن التفاوتات المسجلة في المؤسسات المُستَقبِلة، خاصة في الأقاليم الجنوبية”.
وتابع النائب ذاته: “نُسجل تعثر تفعيل العديد من الالتزامات المتعلقة بجودة الأنشطة داخل مؤسسات التعليم الأولي إذ لم تتمكنوا إلى اليوم من بلورة أي مخطط أو استراتيجية حكومية للإصلاح البيداغوجي والمؤسساتي للتعليم الأولي”، وزاد مخاطبا الوزير بلهجة انتقاد حادة: “… عجزتُم عن حل المشاكل التي يعيشها القطاع، ذاكرا منها تعدد المتدخلين المؤسساتيين وغير المؤسساتيين، وضعية مُربي ومربيات التعليم الأولي بالإضافة لتسجيل حالات الطرد التعسفي وضعف الإقبال على التعليم الأولي ونقص البنْيات والتجهيزات الأساسية”.
بينما أخذ الكلمة نائب آخر ليقول في الموضوع ذاته: “نحن جد متشائمين بالنسبة لوضعية التعليم في العالم القروي، ولم تستطع حل مشكل بسيط، وهو مشكل مستنقع مائي أمام مدرسة بإقليم ميسور، فكيف لها أن تتمكن من التصدي لمشاكل كبرى؟”، معتبرا أن “ميزانية الحكومة لسنة 2025 خصصَت 4.6 مليارات درهم للنهوض بالتمدرس في العالم القروي، وهذا الرقم ضعيف جدا؛ لأن العالم القروي ما زال يمثل 40 في المائة من الساكنة بالمغرب، و90 في المائة من المجال الترابي الوطني”.