استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، ومن ناحية اخرى نجد أن أحد أبرز المطالب الإسرائيلية لوقف عدوانها الهمجي والمستمر على لبنان هو أن تتمتع إسرائيل بحق التدخل والقصف والعدوان إذا شعرت بوجود تهديد ضدها!!.
وإذا لم نكن قد نسينا فإنه وطوال المفاوضات التي جرت، منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، بشأن الوصول إلى اتفاق وهدنة لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فإن إسرائيل أصرت على مطلب جوهري وهو استئناف العدوان بعد إطلاق سراح أسراها الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية.
في مجلس الأمن صوّت جميع أعضاء المجلس لصالح مشروع القرار؛ ١٤ دولة، منها أربع دائمة العضوية، طالبت بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، منتصف الأسبوع الماضي، عدا الولايات المتحدة الأمريكية التي استخدمت حق النقض «الفيتو»، فأسقطت القرار، وليس هذا بغريب من «الصديق» الأمريكي المخلص.
إسرائيل تريد أن يكون لها حق التدخل القانوني والمعترف به من قبل خصومها في القصف والعدوان ضد غزة ولبنان، وأن يكون هذا التدخل قانونيًا ومكتوبًا ومعلنًا ومعترفًا به من قبل خصومها، على الرغم من أن ما تطلبه إسرائيل غير قانوني وغير أخلاقي وغير شرعي؟!
لكن دولة الإحتلال الصهيوني تعلم جيدًا أن هناك «فيتو» أمريكي يبطل أي قرارات ضد مصالحها، ويساند كافة مطالبها الغير قانونية واللا شرعية وغير الأخلاقية، والسؤال الذي يحمل حقيقة مؤكدة هو: منذ متى كانت طلبات وشروط إسرائيل قانونية أو شرعية أو أخلاقية منذ زرعها عنوة في المنطقة عام 1948؟!
حق النقض «الفيتو» استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الرابعة، ويشجّع الإحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في جرائمه التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، وفيه تحدي سافر لجميع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، وفي مقدمتها فتوى محكمة العدل الدولية التي صدرت في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي دعت إلى وقف العدوان، وإنهاء الإحتلال، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ما يجعلها تتحمل مسؤولية استمرار العدوان الإسرائيلي.
مواقف الدول العشر المنتخبة في مجلس الأمن هي مواقف جديرة بالتقدير والاحترام، وذلك لمحاولاتها تمرير هذا القرار في المجلس، ولكن النظام الأممي لا يعطي أهمية لهذه الأصوات في مواجهة أصحاب «الفيتو»؛ ليس هذا فقط، بل كانت هناك أربع من الدول دائمة العضوية التي لها أيضًا حق «الفيتو» أيدت القرار؛ كل هؤلاء سقطت إرادتهم، وباتت موافقة المجلس على القرار كالعدم بسبب «الفيتو» الأمريكي، وهكذا ثبت أن مطالبة مجلس الأمن بتحمل مسؤوليته في حماية الشعب الفلسطيني، وصيانة الأمن والسلم الدوليين، عبر تطبيق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي على دولة الإحتلال هي مسؤولية تعطلها الإدارة والإرادة الأمريكية.
يُعتبر استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي من أبرز الأدوات الدبلوماسية التي تلجأ إليها واشنطن لدعم إسرائيل وحمايتها من الإدانة أو فرض العقوبات الدولية؛ منذ تأسيس دولة الإحتلال عام ١٩٤٨، واستخدمت الولايات المتحدة «الفيتو» عشرات المرات لعرقلة قرارات تنتقد السياسات الإسرائيلية أو تدين انتهاكاتها للقانون الدولي، ما يعكس تحالفًا استراتيجيًّا عميقًا بين البلدين.
هذا الموقف المخزي من الولايات المتحدة الأمريكية يشكّل تحديًا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانًا في حماية الإحتلال الإسرائيلي وتشجيعه على مواصلة جرائم الحرب التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني، وتكرار استخدام حق النقض «الفيتو» في حالات الإبادة الجماعية؛ يؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي الذي بات عاجزًا عن القيام بمسؤولياته وفاقدًا لمصداقيته تجاه حفظ السلم والأمن الدوليين.
إسرائيل تعتقد أن أمامها فرصة ذهبية قد لا تتكرر قريبًا، وهي الدعم الأمريكي المطلق والعجز العربي الإسلامي الكامل، والتردد الدولي، وانشغال روسيا بأوكرانيا، والصين باقتصادها، وبقية العالم بصمته أو همومه ومشاكله، وبالتالي تعتقد دولة الإحتلال أن الأجواء مهيئة أمامها لتنفيذ المخطط الذي أعلنه نتنياهو، وهو: «تغيير خريطة الشرق الأوسط» وتصفية كل شخص أو تنظيم أو حزب أو جماعة أو دولة تفكر في مقاومتها، بل توسيع رقعة أراضيها التي يقول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أنها كيان صغير يحتاج إلى التوسيع.
هذا هو الهدف الإسرائيلي الأعم والأشمل، وهذه هي الإرادة والإدارة الأميركية المتسلحة بالفيتو، وبالتالي علينا أن نفهم العدوان في ضوء هذه الحقيقة، وألا ننشغل كثيرًا بالتسريبات الإعلامية والسياسية التي تنهال علينا منذ 7 أكتوبر 2023 حتى الآن من تقدم في هذه المفاوضات أو تلك.. إسرائيل لا تريد سلامًا عادلًا، ولم ترده يومًا؛ هي تريد سلامًا على مقاسها يعطيها الأرض والثروات والقوة والبلطجة، ويعطي الآخرين الأمان تحت أجنحة مقاتلاتها وظلال دباباتها وعدم معارضة «إسرائيل الكبرى».